تأملات – جمال عنقرة – شمال كردفان .. تصفير العداد

الخرطوم الحاكم نيوز
بين يدي مقال مهم ضمن سلسلة مقالات الطريق الثالث التي تلاقي رواجا وتجاوبا كبيرين، وكان قد اتصل بي مساء الأمس صديقي العزيز الأستاذ محمد المعتصم حاكم، ونقل لي بعضا مما يتم تداوله عن مقالات الطريق الثالث في أوساط السودانيين المقيمين في أمريكا، وكذلك في دوائر الحزب الاتحادي الديمقراطي القريبة من مولانا السيد محمد عثمان الميرغني القريبين منه في مقر إقامته في العاصمة المصرية القاهرة، وفي السودان، والمقال الذي بين يدي بعنوان (الطريق الثالث .. الأول قضي نحبه، والثاني يقضي علينا) ولكنني أوقفت كل ذلك، ومنحت الأولوية لأمر عندي أهم، وقد يراه الناس غير ذلك، ويقول الله تعالي لرسوله الكريم عليه افضل صلاة وازكي تسليم (وأنذر عشيرتك الأقربين) وليس عندي من هم أقرب من أهلي الكردافة الناس القيافة، وكردفان عندي في المقام الذي يعنيه أمير الشعراء أحمد شوقي (وطني لو سئلت في الخلد عنه نازعتني في الخلد إليه نفسي) فقلد ساءني كثيرا ما تعج به الساحة الكردفانية من بيانات وأخبار بشأن التنازع والصراع بين الوالي الأستاذ خالد مصطفي آدم، وبين ناشطين مختلفين في الولاية، ولست في هذا المقام، ولا المقال في مقام نصرة لأحد الفريقين، لا الوالي، ولا الذين يناصبونه العداء، فكلهم عندي سواء أخوة وأهل، ولكني في مقام التنبيه إلى ضرورة العودة إلى المنهج الكردفاني، وهذه الدعوة للفريقين معا، للوالي ولخصومه، فما ورثناه في كردفان أن الخلافات السياسية لا تفرق صفنا، لا في الحكم ولا في المجتمع، ويوم أمس خرج مجتمع عروس الرمال كله لتشييع أستاذنا أستاذ الأجيال، أخانا الأكبر، ومعلمنا وصهرنا الأستاذ محمود طه الدقيل له الرحمة والمغفرة، وقبل نحو أسبوعين أو يزيد احتشد أهل كردفان من كل حدب وصوب، لتشييع فقيدتهم جميعا خالتنا وعمتنا فاطمة دقق زوجة عمنا جميعا الحاج سليمان دقق، ووالدة أخي وصديقي وزميل دراستي محمد سليمان الذي ورث من أبيه الرمزية، وصار هو أيضا من رموز المدينة وأوتادها، لا سيما في مجال الرياضة.
وحالة توحد الصف الكردفاني رغم الاختلافات والتباينات لا تقف عند المجال الاجتماعي وحده، ولكنها تمتد أيضا إلى السياسة، وكثيرا ما تحدثت قبل ذلك عن تجربتنا في مصر عندما كنا طلابا في الجامعات المصرية، فكانت رابطة أبناء شمال كردفان (راشك) هي رابطة لكل الكردفانيين، لا تفرق بيننا حزبية، ولا قبلية، ولا جهوية، وأذكر أني عندما كنت أذهب إلى المنصورة لعمل يتعلق بالاتجاه الإسلامي لا أغادرها قبل أن أزور كل أبناء أم روابة فيها، وكنت أبدأ بأخي المرحوم الدكتور خالد شاع الدين زعيم حزب البعث هناك، لأنه كان كبيرنا ولخصوصية العلاقات الأسرية بيننا، ومنه إلى أخي أزهري بابكر (شطة) وهو بعثي أيضا، وكان من ألد خصوم اخواننا الإسلاميين، ذلك لما كان يجمع بيننا منذ الصغر، ولزمالة أخته ست النخيل لشقيقتي الراحلة المقيمة ست أم سلمة عز الدين، ثم بعدهما أزور ابن خالتي عثمان مكي محمد جعفر، وحبيبنا محمد الحسن التجاني، وهذان أقرب إلى سياسيا من الأولين، ولكنها الكردفانية، وفي القاهرة كانت منزلتي الدائمة في شارع الدكتور جمعة المتفرع من شارع السلحدار في ميدان روكسي بمصر الجديدة حيث يسكن أخواني وأحبابي مكي البر وعصام شاحوطي، ونزار ابو الزول، وفي كفر الشيخ زارني عدد من أخواني وزملائي الكردافة نذكر منهم علي سبيل المثال، خليفة الخير، الفاضل بلدو، مكي البر، خالد خلف الله، عصام عبد السلام (عجوز)، عصام عثمان (قوزة) وكان أخي وصديقي المرحوم الأستاذ مصطفي محمد الحسن، أفضل من غني للفنان عثمان الشفيع، قد شارك في إحياء حفل تخرجنا في كفر الشيخ رغم أنه كان قد اعتزل الغناء، ولكنه فعل ذلك وفاء للكردفانية التي تجمعنا، وكنت أيضا قد ذكرت في مقال سابق، نصرة أبناء كردفان، وأبناء الأبيض علي وجه الخصوص للاتجاه الإسلامي من أجل أخيهم جمال عنقرة الذي كان من الناشطين البارزين في الإتجاه الإسلامي، وبعد تخرجنا تحولوا جميعا لنصرة مؤتمر الطلاب المستقلين نصرة لأخيهم المرحوم محمد الحافظ (مجدي) الذي صار أبرز قادة تيار المستقلين.
وكثيرا ما تحدثت عن تجربة مولانا أحمد هارون، فمولانا لم ينجح لأي سبب سوي أنه أعلي من شأن الكردفانية علي أي شأن آخر بما في ذلك الحزب والتوجه السياسي والفكري، ولقد حكم قبله إسلاميون أعتق منه، وأعرق، في الحركة وفي الولاية لكنهم لم يجدوا ما وجده من نصرة، ذلك أنهم أرادوا أن يحكموا بالحزب والتنظيم، وأحمد اتجه للحكم بأهله الكردافة، فلم يجدوا حتى نصرة أخوانهم الإسلاميين، بينما وجد أحمد نصرة أهل كردفان كلهم، وأقرب أمثلة لذلك الأخوة الشيخ إبراهيم السنوسي، وفيصل حسن إبراهيم، ومعتصم ميرغني حسين زاكي الدين، وتكفي تجربتي الشخصية معهم جميعا، فالسنوسي شيخنا، وأحد رموز الحركة الإسلامية المؤسسين، وفيصل في الحسبة ابن خالتنا، ورفقة عمل تنظيمي منذ أيام الدراسة، ومعتصم ابن عمنا، وجارنا، وزميل دراسة في الأبيض الثانوية وفي مصر، فلم أظهر قط خلال فترات حكمهم جميعا، ولم أشارك مشاركة فاعلة، علي عكس ما حدث في زمن أحمد هارون، رغم أني لم تجمع بيني وبين أحمد دراسة، ولا عمل تنظيمي، ذلك أنه جاء بعدنا بسنوات، ولكنني وقفت معه وناصرته، وأول قرار نصرة له اتخذناه في منظمة أبناء الأبيض التطوعية، وهذه المنظمة لم يكن من بين مؤسسيها إسلامي ولا مؤتمر وطني، ولكن أحمد هارون كان أكبر داعم لها عند تأسيسها، وفي مسيرة عملها عندما كان وزير دولة بوزارة الداخلية، وعندما جاء احمد هارون واليا علي الولاية، لم يخاطب في الناس شيئا سوي الكردفانية، فاختار في حكومته مجموعة من الوزراء والمحافظين، لا لشيء إلا الكردفانية والتأهيل، مثل الأخوة بكري البر، وكمال عوض، ونزار ابو الزول، وخالد الشيخ، وفتح الرحمن ابو دومة، فوقف معه الكردافة بدون فرز، وأذكر أن انتفاضة سبتمبر 2013م انطلقت في جميع أنحاء السودان بعد أشهر قليلة من تعيينه واليا، فاجتمعت قوي الثورة في الولاية، فرغم اقرارهم بالوقوف مع الثورة، لكنهم اتفقوا علي عدم الخروج في مظاهرات في الولاية اكراما لابنهم الوالي الذي أكرمهم، وقدرهم، فكانت الأبيض هي العاصمة الوحيدة التي لم تنطلق فيها مظاهرات في انتفاضة سبتمبر، وأذكر عندما تكتل بعض أهل المؤتمر الوطني في الولاية ضده وحاولوا إسقاطه في الترشيح لمنصب الوالي، اجتمعت فعاليات الولاية السياسية والمجتمعية وقرروا تقديمه مرشحا باسمهم جميعا إذا لم يقدمه المؤتمر الوطني، بل فكروا في تسيير مظاهرة تحاصر المؤتمر العام للمؤتمر الوطني الذي كان منعقدا في فندق زنوبيا إلا أن أحمد هارون أثناهم عن ذلك.
ومن تلك الملامح البسيطة التي ذكرتها، فإن ما يجري الآن من تنازع وصراع بين الوالي الكردافي الأستاذ خالد مصطفي، وبين مجموعة من أهله الكردافة، لا يشبه كردفان، ولا يشبه أهلها، وهو ضار بنا جميعا، وندفع ثمنه جميعا، لا سيما أهلنا الذين يرابطون في الولاية، ولذلك أدعو أهلي جميعا، الوالي ومعارضيه، والذين يقفون علي جانبي الطريق لنعمل معا من أجل تجاوز هذه المرحلة، ليس من أجل تثبيت خالد، ولا من أجل ازاحته، ولكن من أجل إقرار منهج عرفنا به، وعرفت به ولايتنا، فالحب والبغض عندنا بالمودة والعطاء لا بالانتماء الحزبي، وأذكر أن أخانا الزعيم ابن الزعيم ميرغني عبد الرحمن الحاج سليمان كان رمزا وقائدا للحركة الإسلامية في أم روابة، وكان محل حبنا وتقديرنا واحترامنا، فلما تحول عام 1986م، إلى الحزب الاتحادي الديمقراطي لم ينقص ذلك من حبي واحترامي له قيد أنملة، بل لما تعرض للاعتقال والتهديد والتعذيب أول عهد الإنقاذ ناصرته جهارا نهارا، وتلك هي عظمة الكردفانية عندنا، فلنعمل جميعا من أجل تصفير العداد، وإعادة شمال كردفان سيرتها الأولي، وسيجد الوالي ومعارضوه كميات من القواسم المشاركة، لو تذكروها فاضت دموعهم، وتكسرت أرماحهم المتشاجرة وفاء لأرحامهم المتداخلة، فكثيرون من أهل الولاية قد زاملوا خالد في المدارس التي درس بها، أو سبقوه، أو لحقوا به، مثلنا فقد سبقناه بسنوات في عاصمة كردفان ثم الأبيض الثانوية، ومنهم من درس أبناؤهم في مدرسته مدرسة (الأستاذ) ومنهم من ركب معه الأتوس، أو أكل معه التبش في سوق (أبو جهل)، وقطعا قد جمعته مع أهله مشاوير ومشاوير بين مسجد الأبيض الكبير، ومقابر دليل، ولا بد أنه قد تعانق مع كثيرين منهم ابتهاجا واحتفالا بأهداف هلال التبلدي التي كانت تسعدنا جميعا، وتلك دعوة لنقف معا خلف هلال التبلدي ليعود سيرته الأولي، نقول ذلك رغم أننا مريخاب ولكنها الكردفانية، ورغم مريخيتي، ورغم أني في أم روابة موردابي أصيل لكنني أقف بقوة هذا الأيام مع فريق (الزمالة) أم روابة لأنه يمثل عروس النيم في الدوري الوسيط، وعروس النيم عندي أم البلود كلها، وعروسها بغير منافس، ونجدد الدعوة لأهلنا في كردفان، وفي مقدمتهم الوالي الأستاذ خالد مصطفي، وقادة الحملة ضده، وكل الحكماء وأعيان وقامات بلادي الكردافة لنعمل معا من أجل تصفير العداد، ليعود مجتمعنا الكردفاني أفضل مما كان، ويعود لنا الأمل من جديد، وليس ذلك عليكم أهلي بعزيز، وبالله التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى