تأملات – جمال عنقرة – الطريق الثالث .. رأي مختلف

الخرطوم الحاكم نيوز
رغم كثرة التعليقات والتعقيبات علي مقالات الطريق الثالث، والتي ظلت تتوالى حتى لحظة كتابة هذا المقال، لكنني اخترت منها واحدا اليوم وهو رأي مختلف عن كل الآراء التي وصلتني، وكانت كلها تقريبا مناصرة للفكرة، وداعمة لها، إلا هذا الرأي الذي بعث لي به أخي الأستاذ شرف الدين عليش، وكان شرف الدين قد كتب فكرة الطريق الثالث بطريقة فنية حديثة، وقام بنشرها علي نطاق واسع، فأرسل له أحد القراء رأيا حوله لي، وهو رأي يستحق أن نناقشه لأنه يثير قضايا محل خلاف، وجاء في رسالة هذا القارئ (صباح الخير يا شرف
ما يسمية جمال عنقرة بالطريق الثالث ما هي إلا دعوة لإصلاح الواقع الحالي أقصد انه كلامه ما طريق آخر بل هي إرشادات لإصلاح الشئ الموجود الآن علي أرض الواقع، وتسميته بطريق ثالث وصف غير صحيح لمجموعة الإرشادات التي تقدم بها.
سلك طريق آخر يتطلب طرح منهج جديد ومغاير تماما لواقع اليوم، كيف نسمي كلامه ده طريق ثالث بدون طرح توجه اقتصادي مختلف واجتماعي وكذلك ثقافي .. بعدين هو ثبت بعض المؤسسات زي مجلس الشراكة مثلا، وده حوله اختلاف كبير وكمان سماهو الحاضنة السياسية الجديدة!!!!!!
ولم يتطرق لاشكال آخر كبير وهو علاقة القوي العسكرية بالسلطة !!!!! وسيطرتها علي القطاع الانتاجي والخدمي ذو العائد المادي وكذلك مصير القوة بتاعت مليشيات السيد حميدتي (دي حنعمل فيها شنو) لانها أصلا ما ممكن تكون جزء من أي حل لقضايا البلد) انتهي
وللتعليق علي ما جاء في رسالته لابد أولا أن نقف عند الحالة الاستثنائية التي تعيش فيها بلدنا، وهي حالة غير مسبوقة تماما، ولذلك يجب أن تكون المعالجات استثنائية وغير مسبوقة أيضا، فكل الثورات السابقة في السودان أعقبتها فترات انتقالية، تنتهي الفترة الإنتقالية بانتخابات لا يتمكن حزب واحد من الفوز بأغلبية المقاعد فيها، فتتشكل حكومة ائتلافية، تعاني صراعات ونزاعات داخلية، تتأزم الأوضاع، يقع انقلاب، وتعود دورة الحكم الخبيثة مرة أخري من جديد، وعلي الرغم من أن الناس كانوا يتطلعون لأن تكون الإنقاذ آخر انقلاب، وديسمبر آخر ثورة، إلا أن التحدي الجديد الآن هو أن نتمكن من استكمال الفترة الإنتقالية، وإقامة انتخابات مثلما يحدث كل مرة، ومعلوم لكل المتابعين أن هذا الهدف التقليدي أصبح بعيد المنال، فهناك مؤشرات كثيرة تقول أن استكمال المرحلة الإنتقالية أصبح أمرا عسيرا، وفي العهود السابقة لم يذكر أحد النظام السابق بخير خلال المرحلة الانتقالية، وتبدأ الحسرة علي النظام السابق في عهد ما بعد الإنتخابات، فحدث ذلك في عهد الأحزاب الذي أعقب نظام عبود الذي أسقطته ثورة أكتوبر، فهتف الناس للرئيس عبود (ضيعناك وضعنا وراك) وحدث في عهد الديمقراطية الثالثة الذي جاءت بعد الفترة الإنتقالية التي أعقبت ثورة أبريل التي أسقطت نظام مايو، فلما ضاق الحال هتف الناس (عائد عائد يا نميري) ولكن الآن وقبل انتهاء الفترة الإنتقالية، وقبل قيام الإنتخابات صار كثيرون يهتفون (لا كهرباء لا عيش .. يا بشة تعال معليش) وانقسم الناس الذين ضاق بهم الحال، ورفضوا هذا النظام إلى فريقين، بعضهم يتمني عودة النظام السابق، وذلك بالمقارنة بين الحال الذي كان في عهده، والحال الآن الذي ضربه السوء في كل مكان، وبين فريق آخر يدعو الجيش لاستلام السلطة، أما الذين يوالون النظام من أولياء الثورة أو أدعيائها، فلا يجدون غير النظام السابق أو شركائهم من العسكريين، يعلقون عليهم كل عجز وفشل، فأية مشكلة تحدث يزعمون أن وراءها أنصار النظام السابق، حتى مشكلة الجعليين الأخيرة قالوا أن وراءها أنصار النظام السابق، ولا يضيق الحال، وتنعدم سلعة، أو ينهار الجنيه السوداني في مقابل كل عملات الدنيا، إلا ويقولون أن سبب ذلك شركات الجيش التي يدعون أنها تمتلك 80% من رأسمال السودان، وهذه حجة عاجز.
ونحن لسنا مع استلام الجيش للسلطة، ولم يحدث للجيش السوداني أن استلم سلطة إلا استجابة لنداء ثورة، وتكون مشاركته في حكم انتقالي يحفظ فيه البلد، ويحفظ الحقوق، ويرعي انتقال السلطة إلى حكومة ديمقراطية منتخبة، ولسنا كذلك مع عودة النظام السابق، والذي ذهب لن يعود، وقلت في مقال سابق أن عقارب الساعة لا تدور إلى الخلف، ولقد ثبت لكل مراقب أن هذا الوضع، وبهذه الطريقة، لن يتقدم قيد أنملة، والإصرار عليه يمكن أن يقود البلد إلى دمار وهلاك.
ففي ظل هذا الوضع المضطرب، وغير المسبوق، فإن الطريق الثالث الذي ندعو له، ليس طريقا من أجل إصلاح اقتصادي أو سياسي، أو غيره، ولكنه طريق نبتغي منه تخطي العتبة الأولي في مسيرة الثورة، استكمال المرحلة الإنتقالية، وإقامة انتخابات حرة ديمقراطية، ونود للأمر أن يمر بسلام وأمان دون الدخول في معارك جانبية، ولذلك اقترحت أن تظل مرجعيات الثورة كما هي، الوثائق والأجهزة، الوثيقة الدستورية، واتفاقية سلام جوبا، ومجلس الشركاء، ومجلس السيادة، وكل الذي اقترحناه جديدا في الطريق الثالث أن نحرر الوزراء والولاة من الانتماءات الحزبية، مع الإبقاء علي حق الأحزاب والحركات والقوي السياسية في الترشيح وفق معايير الكفاءة التي يتم تحديدها لكل وزارة أو ولاية، ثم دعونا لأن تبتعد الفترة الإنتقالية عن القضايا المصيرية والخلافية، مثل قضية الدين والدولة، والهوية، وما شاكلها، والابتعاد بالخدمة المدنية عن أي تسيس، وفي ذلك يوقف أي تخصيص لأية جهة في أية وظائف مدنية، وتظل الكفاءة والرغبة هي المعايير الوحيدة للتوظيف، وكنت قد اقترحت مفوضيات للقضايا المهمة، مثل مكافحة الفساد، وإصلاح الخدمة المدنية، والانتخابات، والحقيقة والمصارحة، وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى