تأملات – جمال عنقرة – الأنصار .. البلد بلدنا ونحن خدامها

الخرطوم الحاكم نيوز
جلست قبل أيام مع أخي الحبيب الزعيم المجاهد عبد الرسول نتفاكر في شأن السودان بعد رحيل الحبيب الإمام السيد الصادق المهدي له الرحمة والمغفرة، وهي جلسة ظلت تتجدد بيننا لعشرات السنين، وكان دائما ما يكون الحبيب الإمام فيها حاضرا، نبحث عن مقامه وأدواره العظيمة التي ينتظرها منه الوطن كله، قبل أن ينتظرها كيان الأنصار وحزب الأمة، وال المهدي عليه السلام، ولا بد في هذا المقام أن أشير إلى الحبيب محمد زكي الذي يظل شاهدا علي كل ما كان يدور بيني وبين الإمام الصادق له الرحمة والمغفرة، حول مسارات حلول أزمة الحكم في السودان، ومساهمات السيد الإمام في ذلك، وكنت دائما ما أتفاكر مع الحبيب محمد زكي، في ما أفكر فيه قبل طرحه علي الحبيب الإمام، وبعد الطرح كذلك، ويشهد المقهي القريب من سكن الإمام في شارع النصر بمدينة نصر المصرية، جوار سينما طيبة، حيث كنت أحضر قبل موعدي مع الإمام بدقائق نلتقي هناك مع الحبيب محمد زكي للتفاكر قبل لقاء الإمام، وكان الزعيم الحبيب عبد الرسول النور دائما ما يكون أول من ألقاه بعد عودتي من الإمام، وآخر من ألتقيه قبل السفر إلى الإمام، فذهبت إلي الزعيم عبد الرسول النور بعد يومين من رحيل الإمام للتفاكر معه حول مستقبل السودان بعد رحيل الحبيب الإمام له الرحمة والمغفرة، وكانت قناعتنا راسخة مع الزعيم عبد الرسول النور أن السيد الصادق المهدي هو الرقم الأهم في السياسة السودانية، وأن السبيل الآمن لخروج السودان من كل أزماته، لا بد أن يكون للسيد الإمام فيه دور فاعل، ومساهمة كبيرة.
ولقد اتفقنا في لقائنا الأخير مع الحبيب الزعيم عبد الرسول النور أن التحدي بعد رحيل الإمام انتقل إلى حاضنة الإمام الكبري، كيان الأنصار والمجاهدين، الثائرين، هذا الوعاء الأشمل والأصدق للسودانيين جميعا، فلا تاريخ للسودان والسودانيين أعز وأشرف من تاريخ الأنصار، ولا يوجد كيان وحد السودانيين كما وحدهم كيان الأنصار، وتلك هي عبقرية الثورة المهدية التي هي من عبقرية قائد ثورتها المجدد الإمام محمد أحمد المهدي عليه السلام، فكما هو ثابت أن الإمام المهدي مهد لوحدة السودانيين بوقف العمل بالمذاهب الأربعة والطرق كلها، ولما سأله أصحابه عن ماذا يقولون للناس إذا سألوهم عن مذهبهم وعن طريقتهم، قال لهم قولوا لهم طريقنا الكتاب والسنة، ما جاء من عند الله تعالى علي رؤوسنا، وما جاء من النبي صلى الله عليه وسلم علي أعناقنا، وما جاء من صحابته إن شئنا عملنا به، وإن لم نشأ تركناه، وأوضح لهم أنهم يعملون بما جاء من الصحابة رضوان الله عليهم إذا وافق الكتاب والسنة، وإذا خالفهما تركوه، وجمع الناس علي راتب واحد، ومع ذلك كانت له مساحة تحدد سعة أفقه عليه السلام، فلما رفض الشيخ محمد نور العمل براتب الإمام المهدي، وأصر علي الجزولية، كتب إليه الإمام المهدي كتابا مشهورا جاء فيه، (من محمد بن عبدالله إلى محمد نور وقاه الله من الشرور، إنما جعلنا الراتب لجمع صف الأمة، ومن لم يقدر علي ذلك فليذكر الله بما ينشط به من جزولية وغيرها)
والأنصارية ليست حزبا ولا جماعة، وإنما هي كيان جامع، وهي فوق كل الأحزاب والطوائف والطرق والأحزاب، وليس ذلك قديما فحسب، ولكنه حال ظل ثابتا طوال عمر السودان المديد، فالمهدية في عهدها الأول جمعت السودانيين بمختلف مناطقهم، وقبائلهم، وطرقهم، وكان رموزها وقادتها وأمراؤها يجسدون وحدة السودان وتنوعه، وعلي عكس ما دعا اليه السيد عبد الرحمن، فيوجد أنصار كثر لم يكونوا حزب أمة، ولعل من أشهرهم الراحل المقيم الشريف زين العابدين الهندي، ويوجد أنصار إسلاميون سياسيا مثل المجاهد مهدي إبراهيم محمد، وأنصار يساريون مثل الأستاذ كمال الجزولي، وأنصار اسماعيلية مثل السيد علي مهدي نوري السيد عبد الكريم، والأمثلة كثيرة فوق الإحصاء والعدد، وفي مثل هذه التحديات الماثلة لا أجد ما يمكن أن يجمع كلمة السودانيين، ويوحد صفهم غير كيان الأنصار الجامع الشامل، وعليهم اليوم تمثل قول الشريف زين العابدين الهندي في ملحمته الوطنية الخالدة (أوبريت سودانية) والتي يقول في بعض مقاطعها:
أبشري نحن لسه في الخلا مرابطين
ونحن عقاب عهود أنصار مع مهاجرين
ونحن سهاري ما بنعرف غمضة العين
ونحن فداك نزود عنك بقالنا سنين
حالفين بيك قسم غالي عزيز ويمين
ما نضوق راحة لا نشوف زوجة ولا والدين
ولا ندفن رؤوسنا علي الرمال خايفين
حتى نوقي من أشلانا أعلامك علي القصرين
ونسوي للقصفوك مقبرتين
زي ما وضعنا تارة علي الألف ألفين
وحتى ينكسر القيد وينقسم نصين
ويكون عيدنا الكبير في مقرن النيلين
صحيح أن الأنصار تغنوا من قبل (البلد بلدنا ونحن أسيادها، أسالوا كرري والشكابة) ولا يستطيع أحد أن ينكر عليهم ذلك، ولكن سيادتهم لم تكن سيادة منافع ولا مصالح، ولا سخرة لغيرهم، ولكنها سيادة عطاء وفداء وتضحية، ولم تقف التضحية عند السابقين الأولين وحدهم، ولكنها ظلت متمددة ومتجددة، فغير عشرات الآلاف الذين استشهدوا فداء للدين والوطن في كرري وأم دبيكرات، وفي كل معارك التحرير والفداء، فإن دماء الأنصار كانت الأكثر في مناهضة نظام مايو دفاعا عن الحرية والديمقراطية، وتشهد علي ذلك معارك ودنوباوي والجزيرة أبا، والانتفاضة الوطنية المسلحة في الثاني من يوليو عام 1976م، بل إن كثيرين من الإسلاميين الذين استشهدوا في يوليو 76 كانوا أنصارا، مثل الشهيد عبد الإله خوجلي له الرحمة والمغفرة.
فعلي عاتق الأنصار اليوم يقع عبء تجديد معاني الوحدة والفداء والتضحية، ونحمد الله أن وضع أمانة الكيان بعد رحيل الحبيب الإمام في يد الأخ الحبيب الأمير الدكتور عبد المحمود أبو، والحبيب عبد المحمود هيأه الله لمثل هذه المهمة العظيمة، وتهيأ لها علما وتواضعا، وتجردا، ووصلا وتواصلا، ليس مع الأنصار وحدهم ولكن مع كل أهل السودان، وكلنا معه، وخلفه جنودا وخداما لوطننا الغالي الحبيب، حفظا لتراث آبائنا وأجدادنا وإحياء لسنن لن تموت ولن تندثر بإذن الله الخالد الباقي، ومعا من أجل وطن يسعنا جميعا، يكون الأنصار وقوده، وناره، ونوره، بإذن الله النور الباقي الدائم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى