تأملات – جمال عنقرة – السودان ومصر .. حتة واحدة

الخرطوم الحاكم نيوز
عجبت للذين ينظرون بريبة إلى زيارة رئيس مجلس السيادة سعادة الفريق الأول ركن عبد الفتاح البرهان إلى جمهورية مصر العربية الأخيرة، ويصفونها بالمفاجئة، ويضعون حولها مجموعة من علامات الاستفهام، والغريب حقيقة كان ألا يزور الرئيس البرهان مصر في مثل هذه الظروف المعقدة التي تمر بها بلادنا، ومع احترامنا لكل دول العالم لا سيما الشقيقة والصديقة، فإن العلاقة بين السودان ومصر ليس لها مثيل، ولا أقول ليس لها مثيل بين علاقة بلدنا وأي بلد آخر، ولكن ليس لها مثيل بين علاقات أي بلدين آخرين علي وجه المعمورة كلها، فالسودان ومصر وجدتا هكذا، التداخل بين مكونات البلدين ليس له حدود، وفي كل الدول العربية ينادون السودانيين والمصريين نداء واحدا، (ابن النيل)، والسودان ومصر (حتة واحدة) كما يقولون، ومع ذلك نقول ما يأسر الناس هذه الأيام، ونبتعد عن ما لا يضعون له حساب، فنقول دعونا من لغة الوجدان والعواطف، ونتحدث لغة المصالح والمنافع التي لم يعد الناس يعرفون غيرها، وهي ذات اللغة التي تحدث بها الرئيسان البرهان والسيسي.
ومن القضايا التي بحثها الرئيسان في الزيارة حسبما جاء في بيان الناطق باسم الرئاسة المصرية، مسألة الربط الكهربائي بين البلدين، وخط السكة الحديد الذي يربط بين السودان ومصر، والتعاون في المجال الزراعي وفي مجال الطيران. ولا بد أنهما تحدثا عن آفاق التعاون التي يمكن أن تتاح للسودان بعد شطب اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ومسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومما ناقشه الرئيسان السيسي والبرهان أيضا تطور ملف سد النهضة، وتلك قضايا لا تحتمل اي واحدة منها التأخير، ولذلك كانت زيارة الرئيس البرهان إلى مصر مطلوبة، وبالحاح شديد وأتت في وقتها.
وقبل الخوض في تفاصيل تلك القضايا المشتركة التى أشرت لها، نقول أولا أن الرئيس البرهان يمر بذات الظروف التي كان قد مر بها الرئيس السيسي، وكما هو معلوم فإن الرئيس السيسي الذي كان قائدا للجيش المصري، وجد نفسه أمام تحد كبير، بعد أن أنجز شعب مصر أعظم ثورة في تاريخ أرض الكنانة، وتهيأت فرصة تاريخية لبناء نظام ديمقراطي شعبي، ظل الشعب المصري يحلم به، سنوات وعقود، وقرون، ولما أوشكت كل الحبال في مصر أن تنفرط، كان لا بد للجيش أن يقول كلمته لصالح استقرار وبقاء مصر، ولصالح الحرية والديمقراطية شعارات ثورة يناير المصرية المجيدة، والرئيس البرهان يواجه اليوم ذات ما واجهه الرئيس السيسي قبل سنوات، فهو في حاجة إلى معادلة تحفظ التوازن بين تحقيق شعارات ثورة ديسمبر السودانية المجيدة، وبين الحفاظ علي أمن واستقرار وسلامة السودان، وهذه ذات المعادلة التي دفعت الرئيس السيسي للاستجابة لمطالب ثورة الثلاثين من يونيو، استكمالا، وتحقيقا لشعارات ثورة يناير، وهو ذات التحدي الذي يواجه الرئيس البرهان اليوم.
ملف سد النهضة يحتاج إلى إدارة حكيمة وراشدة وقوية وحاسمة، وهذا كله لم يكن حاضرا في إدارة هذا الملف في كثير من المراحل السابقة، وهناك ثوابت لا يمكن الحياد عنها، وهي الإقرار بحق أثيوبيا في تحقيق مصالح بلدها بإقامة سد في ارضها، شريطة ألا يضار السودان ومصر من تحقيق هذه المصالح، وهذا أمر لا يتحقق إلا بالحوار، ولا تجوز فيه المماطلة، ولا التسويف، ولا يجوز فيه الاستخفاف ولا التهديد، فبلداننا الثلاثة في مركب واحد، ولا أحد منا يريد أن يغرق، ولا ينبغي لأحد أن يستهين، أو يستخف بحياة الآخرين، ورغم أنا لا نستحي، ولا نري حرجا في أن نقول أن العلاقة بيننا وبين مصر والمصريين، أعمق من تلك التي بيننا وبين إثيوبيا والاثيوبيين، ولكن المهم في هذه الحالة أن التهديد الذي يقع علي السودان ومصر من قيام سد النهضة، لا يوجد مثله بالنسبة لاثيوبيا، لذلك لا نجد حرجا في مزيد من التنسيق مع مصر في هذا الملف، ولكن تنسيق ليس ضد إثيوبيا، ولكنه من أجل حماية بلدينا من تهديد السد، ولتعظيم المصالح التي يمكن أن تجنيها دولنا الثلاث لو قام سد النهضة علي وفاق واتفاق بيننا جميعا.
مسألة مهمة أخري وملحة، وتستدعي تشاورا عميقا مع إخواننا في مصر هي مسألة التطبيع مع إسرائيل التي وجدنا أنفسنا مواجهين بها، ومعلوم أن مصر كانت أول دولة تواجه هذا التحدي، وتكون لمصر رصيد من المعارف والخبرات في التعامل مع دولة إسرائيل دون أن تفقد شعبها، ودون أن تفتح ثغرات للاختراق، ودون أن تتخلى عن ثوابتها ومعتقداتها، ودون أن تفقد احترامها لنفسها، واحترام كل أشقائها لها، ومعلوم أن مصر ظلت رغم التطبيع قبلة وملاذا، ومتكأ لكل فصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتهم فتح وحماس، وهذه تجربة يجب أن نستفيد منها.
وهناك قضايا كثيرة تناولها اجتماع الرئيسين البرهان والسيسي، أشرت لها في صدر هذا المقال مثل التعاون في مجالات الزراعة والطيران، والكهرباء والسكة حديد، وغيرها نخصص لها مقالا لاحقا بإذن الله تعالي ضمن حديثنا عن آفاق التعاون بين السودان ومصر، في ظل هذا العهد الجديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى