تحليل سياسي : محمد لطيف – التطبيع .. نحو حوارٍ عقلاني ! (2)

الخرطوم : الحاكم نيوز
طرحنا بالأمس رؤية نظرية على موضوع التطبيع بين السودان واسرائيل .. ورأينا .. عكس البعض .. أن نبدأ بالمخاطر .. أو بالأحرى الخسائر المترتبة على ذلك التطبيع .. كما حرصنا تبيان موقف العالم العربي .. الذي يفترض أن موقف السودان جزء لا يتجزأ منه .. لا يتأخر عنه ولا يتقدم .. وعددنا بعض مظاهر التطبيع مع حقيقة الوجود الإسرائيلى فى الإقليم العربي .. بالتركيز على أبرز نموذجين لذلك التطبيع وهما .. عودة الجامعة العربية الى مقرها الدائم بالقاهرة .. لترفرف اعلام الدول العربية قاطبة .. بجوار العلم الإسرائيلى .. ثم قيام الدولة الفلسطينية .. التي لم تحصل على حق الحياة إلا بعد الإعتراف بالوجود الإسرائيلي .. إزاء هذا الواقع العربي .. خلصنا الى أن السودان بات من حقه أن ينظر فى مصالحه فى ضوء الحقائق التى ذكرناها .. ولا شيء يحكمه أو يلزمه غير ذلك ..!
ولعل الملاحظة المهمة هنا .. أن آخر مباحثات حول هذا الموضوع جرت بابي ظبي .. لم تتضمن مفاوضات مع أي طرف اسرائيلى .. ذلك ببساطة أنه ليس بين السودان واسرائيل ما يستدعى التفاوض حوله .. الخلاف بين الطرفين قائم اليوم على تلك القضية المطروحة فى الفضاء العربي العام .. وهي القضية الفلسطينية .. ولم يزعم احد أو يدعى السودان .. أنه مخول لينوب عن الشعب الفلسطينى أو سلطته للتفاوض باسمه .. بل إن الفلسطينيين أكدوا بعد كامب ديفيد مباشرة أنهم تعلموا درسا مهما .. وهو عدم تفويض أي جهة للتفاوض نيابة عنهم .. وموقف السودان من القضية المركزية يمكنه أن يظل كما هو .. خاصة فيما يتعلق بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني .. ووقف الإنتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين العزل .. ولئن طبع السودان أو لم يطبع .. فهى خطوة لا تأثير لها على تلك القضية ..!
ولكن .. وكما أشرنا بالأمس .. فالسودان يواجه موقفا .. صحيح أنه يبدو غريبا .. ولكن الصحيح ايضا .. أن التعامل معه بحكمة وواقعية ربما يفتح أمامه الباب واسعا للتعافي والعودة الى المجتمع الدولى .. وهو الموقف الأمريكى والذى يربط أية خطوة ايجابية تجاه السودان .. بتطبيعه مع اسرائيل .. وبغض النظر عن دوافع واشنطن من هذا الربط .. فدعونا ننظر فى المحصلة النهائية .. سيما وأن ثمة حقائق باتت جلية وغير مواربة .. وكما قال لي مسئول كان قريبا من المباحثات .. أن مسئولا امريكيا أسر له .. بأنه حتى لو دفع السودان تعويضات كل ضحايا الإرهاب .. فالقضية بالنسبة لواشنطن سياسية بالدرجة الأولى .. تبدأ وتنتهى عند التطبيع ..!
فى محاولة لحسم الأمور عرضت واشنطن مصفوفة من تسعة بنود .. طلبت فيها من الخرطوم تنفيذ ثلاثة بنود .. على أن تلتزم هى .. أي واشنطن بتنفيذ البنود الست المتبقية .. والتطبيع مع اسرائيل يساوى بالطبع ثلث ما يلى السودان من إلتزامات .. ليحصل مقابل ذلك .. وفق المصفوفة على ما يلى .. رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بأمر تنفيذى مباشر من الرئيس متجاوزا بذلك مماحكات الكونجرس .. قرار آخر من الرئيس الأمريكى بإعفاء ديون الولايات المتحدة على السودان وقدرها ثلاثة مليار دولار ..إلتزام الولايات المتحدة بمنحة تغطى إحتياجات السودان من المحروقات والقمح والأدوية لمدة عام .. إلتزام آخر من طرف ثالث بدعم سلعي فى حدود المليار ونصف المليار دولار .. رفع تجميد منحة سابقة متبقى فيها مليارين ونصف المليار دولار .. وأخيرا التفاوض الجاد مع نادي باريس .. تقوده واشنطن .. لإعفاء ديون السودان البالغة اكثر من ستين مليار دولار ..!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى