تأملات – جمال عنقرة – الحرية والتغيير .. الإصرار علي استعداء الجيش

كنت أتمنى ألا يأتيني إلتزام آخر صباح الأمس السبت يصرفنى عن المشاركة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقتصادي الذي طال انتظار الناس له كثيرا، ولم تكن المبشرات مشجعة علي تقديم حضور المؤتمر علي أي أمر آخر يتنافس معه، فمشكلة الاقتصاد السوداني لم تكن مشكلة سياسات بقدرما هي مشكلة إرادة وقدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ولقد أثبتت تجارب عدة فشل هذه الحكومة في اتخاذ أي قرار قوي يقدم مصلحة الوطن والمواطن علي غيرها، فحكومة تفكر مجرد تفكير في أن تضع مدخلات صناعة التبغ والسجائر ضمن السلع الأساسية التي يتم تمويل استيرادها من عائدات الصادر، حكومة غير جديرة بالعشم، ومعلوم أن هذه الحكومة تجاوزت مرحلة التفكير، واتخذت القرار، ولم تجد غير أن تتراجع عنه وتعتذر للشعب، وتعلن الندم، حين لا ينفع الندم، وغير هذا كثير مما يجعل الناس زاهدين في خير يأتي من أناس يفكرون هكذا، لذلك رغم أني تهيأت وخرجت متوجها صوب قاعة الصداقة فخر الصداقة السودانية الصينية حيث يعقد المؤتمر، فلما ظهر لي أمر آخر لم أقو علي تركه من أجل المؤتمر، فذهبت إليه وظللت أتابع أعمال جلسات المؤتمر من الإذاعة السودانية لها منى مليار سلام وتحية.
أول صفعة في وجه المؤتمر والمؤتمرين كانت كلمة ممثل قوي إعلان الحرية والتغيير السيد محمد خطاب، الذي حرص في كلمته مع سبق الإصرار والترصد علي تحميل المؤسسة العسكرية عجز الحكومة الإقتصادي بادعاء أن المال كله مملوك ومحترز لدي تلك المؤسسات الإقتصادية التابعة للمنظومة الدفاعية، وزعم أن الحكومة لن تكون قادرة علي تحقيق أي إنجاز اقتصادي ما لم تدخل كل هذه المؤسسات في عباءة وزارة المالية، وزارة المالية التي تعرض وزيرها المقال الدكتور إبراهيم البدوي إلى أبشع حملة انتقاد، وأشرس هجوم علي الهواء مباشرة في منبر إعلامي حر، كان يظن أنه سوف يقدم من خلاله مرافعة يثبت فيها أنه مظلوم ومجني عليه، وزارة المالية التي اعترفت وزيرتها المكلفة الحالية الدكتورة هبة محمد علي قبل أيام بعجزها عن دعم التعليم، وطباعة الكتاب المدرسي، واعتذرت للعاملين في القوات المسلحة لأنها لم تتمكن من توفير مرتباتهم، ووقفت عاجزة عن سداد مرتبات أساتذة الجامعات حسب التعديلات الجديدة للمرتبات.
إن هجوم ممثل الحرية والتغيير السيد محمد خطاب علي المؤسسات الإقتصادية العسكرية هو مواصلة لحملة بعض مكونات قوي الإعلان علي الجيش، وما قول متحدثهم في ندوة تلفزيونية قبل يوم من المؤتمر الإقتصادي عن السلام بمعزل عن ذلك، فقال هذا المتحدث أن الاقتصاد السوداني لن ينصلح حاله ما لم يتحقق استقرار سياسي في البلاد، وأن الإستقرار السياسي لن يتحقق قبل السلام، وأن السلام لن يتحقق أبدا علي أيدي العسكر، ثم نادي بتشنج واضح بإخراج العسكريين من ملف السلام، وإسناد أمره إلى السياسيين المدنيين، فهل هذا قول عاقل وموضوعي، ولم يبق في مرحلة السلام المفصلية والمفاحية غير التوقيع النهائي علي الاتفاق الذي تحدد له الثالث من أكتوبر المقبل في مدينة جوبا حاضرة دولة جنوب السودان الشقيقة، ولو كان هذا المتحدث جادا فعلا، لقال إن مفاوضات الجنوب لم تكن مطلوبة لو أن قوي إعلان الحرية والتغيير قامت بواجبها حق قيام، ونادت كل مكوناتها التي كانت تحارب النظام السابق إلى الخرطوم لبحث وسائل وآليات تحقيق السلام عبر حكومة الثورة التى تضم كل الحركات عبر الجبهة الثورية، وصنائعها الحديثة، ولكنها حرب أهل (قحت) علي شركاء الثورة في المؤسسة العسكرية، وهي الحرب التي قادت إلى كثير من الفشل.
أكثر ما يقال عن المؤسسات الإقتصادية العسكرية أكاذيب لا تسندها أدلة ولا براهين، وكثير منها لا أساس له من الصحة، وفي مقدمة ذلك ألا رقابة علي وزارة المالية عليها، ولعلم الذين لا يعلمون أن وزير المالية هو رئيس مجلس استثمار المؤسسة الإقتصادية العسكرية، وأن حسابات كل الشركات العسكرية خاضعة للمراجع العام لحكومة السودان، وأن كثير من رأسمال هذه الشركات مملوك للعسكريين، سواء كانوا في الخدمة، أو المعاش، وأنهم يعملون في مجالات إستراتيجية يحفظون بها أمن الدولة الإقتصادي ويحافظون عليه، ولقد عددت في مقال سابق بعضا من الإنجازات العظيمة التى حققتها الشركات العسكرية كتبته في ذكري عيد الجيش عندما زرنا معرض منظومة الصناعات الدفاعية في قاعة الصداقة برفقة بعض الزملاء والأصدقاء الصحفيين والإعلاميين، وكان في استقبالنا الرجل الهميم دينمو المنظومة سعادة العميد الركن المعتصم عبدالله الحاج نائب المدير العام، وبعض أركان حربه المغاوير، وشاهدنا في ذاك اليوم بعض إنجازات المنظومة العظيمة، ولا زلت عند رأيي القديم أن ذلك المعرض لم يقدم الصورة المثلي للمنظومة، ولا زلت أنتظر ترتيب زيارات ميدانية لبعض الزملاء ليتعرفوا علي حقيقة ما يقدمه الجيش للصناعة والاقتصاد السوداني، وهو إنجاز يستحق أن يفخر به كل سوداني وطنى، والذين يقولون غير ذلك، إن أحسنا بهم الظن نقول أنهم لا يعلمون، ونسأل الله لهم المغفرة، أما الذين يعلمون، وينتقدون، ويهاجمون، فلن نجد لهم وصفا أخف من التآمر، نسأل الله لنا ولهم الهداية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى