بعْدٌ ..و.. مسَافَة – مصطفى أبوالعزائم – فلسطين .. ملفٌ مُستغَل عاطفياً

وعَدنَا بالأمس أن نكْتُبْ عن إتفاقية السلام الموقعة مؤخراً بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين الشقيقتين وبين دولة إسرائيل في البيت الأبيض برعاية أمريكية ، والتي نعتبرها _ أي الإتفاقية _ مقدمة لأحداث كثيرة تعقبها ، وأولها في منظورنا الآن ، المباحثات السُّودانيّة الأمريكية التي جرت في أبوظبي برعاية إماراتية كريمة و إهتمام كبير بأمر السودان ، لم يبدأ اليوم أو الأمس ، بل بدأ منذ عقود ، فالعلاقة بين الخرطوم و أبوظبي علاقة تاريخية قديمة و متجذّرة.قد كان الرئيس الراحل جعفر محمد نميري ، أول رئيس يزور دولة الإمارات العربية المتحدة بعد أن قامت على يد مؤسسها وبانيها سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله ، مما ترك آثاراً طيبة في نفوس أبناء البلدين الشقيقين ، وتميزت العلاقة بينهما ولا زالت متميزة إلى يومنا هذا .
نعتبر زيارة السيد الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ، رئيس مجلس السيادة الإنتقالي والوفد الذي رافقه في زيارته لدولة الإمارات العربية ، بدعوة كريمة من قيادتها ، ومن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد العام للقوات المسلحة ، نعتبرها أولى نتائج توقيع إتفاقية السلام الموقعة مؤخراً ، والسبب في ذلك هو إهتمام الإمارات بالشأن السُّوداني وسعيها منذ وقت مبكر إلى معالجة أزمات السُّودان الإقتصادية التي نتجت عن العقوبات الأمريكية على بلادنا ، مثلما نتجت عن الديون العالمية على البلاد وأرباحها ، وقد تجاوز الدين الإجمالي الستين مليار دولار أمريكي ، هذا غير موقف الدول الغربية المتحالفة مع واشنطن ، إضافة إلى وجود إسم السُّودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب .
وللسودان أهمية خاصة لدى الولايات المتحدة الأمريكية ، ولدى حلفائها وفي مقدمتهم إسرائيل ، وهو ما دعا إلى أن تتسارع الخطى للجلوس وجهاً لوجه بين الطرفين وصولاً لنتائج مرضية للجميع بحيث لا يخسر أحد ، بل بحيث يكسب السودان من خلال شطب إسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب ، وإعفاء ما عليه من ديون ، تبدأ بالدين الأمريكي ، وتقديم مساعدات مستمرة لفترة زمنية يتم الإتفاق عليها حتى يخرج من وهدته التي أوشكت أن تعصف بكل وأهم مقومات الدولة ، وهذا إن حدث فإن مصير كل المنطقة والإقليم سيصبح في كف عفريت .
موقف الإمارات من القضية الفلسطينية واضح ، وهي تعتبر أن تجميد ضم الأراضي الفلسطينية الذي هو مطلب عربي ودولي ، سيكون بمثابة الحصن الحصين لخطة السلام العربية وللقرارات الدولية ذات الصلة بذلك الموقف ، إضافة إلى أنه يضمن حقوق الشعب الفلسطيني ، ويُبْقي على آمال حل الدولتين ، مع ضمان حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس .
دعمت دولة الإمارات العربية المتحدة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية منذ وقت بعيد ، ولا زالت تقدّم الدّعم دون من أو أذى ، ومواقفها السّياسيّة قائمة ومبنية على الموقف العربي العام والقرارات الدولية المتفق عليها ، وقد سعت دولة الإمارات الى التعامل السلمي مع كل القضايا الرئيسية في المنطقة ، إيماناً من قيادتها الرشيدة بأن ذلك هو الأسلوب الأمثل لتعزيز السلام والإستقرار ، وظلّت قيادتها على قناعة تامة بأن قدرتها الإيجابية في المساهمة لإيجاد حل مستدام وعادل للقضية الفلسطينية ، سيتعزز من خلال هذه الخطوة ، لذلك رأينا إنه من المصلحة العامة أن تبدأ الإمارات هذه الخطوة ، خاصة وإن توجهها العام يقوم على تجربة عربية سابقة في العلاقات مع إسرائيل ، وبعض التجارب الخليجية ، مع التفريق بين ما هو سياسي وبين ما هو غير سياسي .
لم نفتح الملفات التي عاد بها السيّد رئيس مجلس السيادة الإنتقالي والوفد الذي رافقه في رحلته إلى دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، لكننا من خلال المتابعة والرصد والتحليل نؤكد على أن ملف التطبيع كان هو المقابل لملف رفع العقوبات وإعفاء الديون ، ونعرف أيضا إن عملية مباشرة علاقات ثنائية مع إسرائيل لابد لها مراحل تدريجية حتى تكتمل ، وهذا لا سبيل إليه إلا بالحوار ، ونتوقع أن تستغل بعض الجهات هذا الموضوع لخدمة أجندات خاصة ، من جماعات تحض على الكراهية وتدعو للعنف ، مع تدخلات من دول إقليمية كانت هي السابقة للإعتراف سراً أو علانيةً بإسرائيل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى