لا شك أن المتابع لمسيرة التعليم بشقيه العام والعالي خلال سنوات الحرب هذه يدرك تماما حجم الجهد الذي بذلته وزارة التربية الوطنية والتعليم ووزارة التعليم العالي والجامعات السودانية الحكومية منها في الولايات الآمنة وتلك التي تتمركز في الخرطوم رغم ما حدث لها من دمار في البنيات الأساسية وفي المعامل والقاعات وكل المعينات التدريسية والبحثية…وبالطبع لم تسلم مؤسسات التعليم العام ومؤسسات التعليم العالي الخاصة من هذا الدمار الذي جعلهم جميعا يهاجرون خارج حدود الوطن ويتحملون أعباء مالية فاقت كل الإمكانيات وذلك حرصا علي توفير بيئة تعليمية جامعية أو مدرسية تناسب حاجة الطلاب فتم فتح المدارس في عدد من الدول بعضها بمواصفات تعليمية وتربوية معقولة والكثير منها اصبحت مراكزا لتدريس الطلاب المناهج المجازة وبمواصفات متواضعة جدا لا ترتقي للمستوي المطلوب في حده الأدني ومع ذلك وبسبب الظروف الإضطرارية للأسر وأهمية تدريس الأبناء والذي يعتبر عاملا أساسيا بجانب عوامل أخري هي التي أجبرت الكثير من الأسر إن لم نقل جلها للهجرة خارج البلاد ودفع مصروفات دراسية تبدو عالية ويصعب توفيرها للكثيرين منهم فكان ينبغي علي اصحاب المدارس الخاصة مراعاة الأسر التي فقدت الكثير بما في ذلك المرتب الحكومي علي قلته…وللاسف لم تتمكن ادارة التعليم الخاص في وزارة التربية الوطنية والتعليم الاتحادية من ضبط ايقاع تفلت بعض المدارس وتحديد حد اقصي لهذه المصروفات الدراسية ولكنها بالمقابل قد نجحت في تنفيذ دورتين للإمتحان في الأعوام 2023م و2024م وتستعد أيضا الآن لتنفيذ دورة ثالثة في أبريل 2026م بإعتبارها دورة كان مخططا لها ديسمبر 2025م…وهذا جهد يستحق الثناء والشكر رغم ما صاحب نتائج تلك الامتحانات من أخطاء كان يمكن تفاديها..
أما الجامعات فهي الأخري قد بذلت جهودا مقدرة لتسيير العملية التعليمية خلال سنوات الحرب سواء أكان ذلك بالتدريس عبر الشبكة العنكبوتية (اونلاين) او عبر فتح فروع للجامعات بالخارج ولكن ربما الرسوم الجامعية في الجامعات الخاصة كانت صعبة وعالية عانت منها الكثير من الأسر بل فقد فيها عدد من الطلاب مقاعدهم بسبب العجز عن الإيفاء بكل مستلزمات الدراسة بالخارج ولعل اختلاف الظروف التي أحالت اعداد كبيرة من القادرين ماديا الي غير قادرين تبدو ظاهرة للعيان والشواهد كثيرة وفي كل المجالات والوظائف..
كان التقدير أيضا ان يكون للحكومة رؤية لدعم التعليم بشقيه ومراعاة ظروف المواطن حتي لو بدعم المرتبات بدلا عن توقفها لكثير من القطاعات لما زاد عن العام قبل أن تصرف لهم بنسبة 60% والتي تعدلت اخيرا للنسبة الكاملة التي هي الأخري لا تفي بالإحتياج الحقيقي لأي اسرة متواضعة لأكثر من أسبوع..يضاف لذلك حالات من تقاعدوا بالمعاش خلال سنوات الحرب فلا هم طالوا مرتباتهم التي توقفت بسبب المعاش ولا نالوا حقوقهم لما بعد الخدمة ولا تمكنوا من تسوية معاشهم فكان ينبغي أن يكون للحكومة رأي واضح ومعالجة منصفة لمن أفنوا كل أعمارهم في خدمة الوطن..
تذكرت حال التعليم وظروفه وانا اتابع نتيجة القبول لمؤسسات التعليم العالي التي اعلنت قبل ايام لدفعة 2024م بعد حوالي شهرين من دفعة 2023م الأمر الذي أربك حسابات الكثير من الجامعات بين خياري دمج الدفعتين او فصلهما خاصة ان العدد الكلي الذي تاهل لدخول الجامعات مقارنة بالمقاعد المتاحة يبدو ضعيفا جدا مما أدي الي انخفاض نسبة القبول في كل الكليات وبكل الجامعات من جانب وفقدان الجامعات للكثير من الطلاب اما باسباب عدم التأهيل لأن الطلاب الذين جلسوا للامتحانات تناقصت اعدادهم كثيرا او بسبب رغبة الكثيرين الدراسة بالخارج بحثا عن الأمن والاستقرار وربما كانت جامعة الخرطوم الأفضل بسبب سمعتها وتاريخها ووضعها الأكاديمي المميز علي مدي تاريخها ومعها الجامعة الوطنية في مؤسسات التعليم غير الحكومي..
ختاما نقول أن امر التعليم خلال سنوات الحرب بشقيه العام والعالي يحتاج لوقفة ونقاش وتفكير غير تقليدي لكي لا يضيع مستقبل أجيال والبلاد في أمس الحاجة اليهم ولأنه كما هو معلوم بالتعليم والبحث العلمي تتطور الأمم والشعوب والبلدان…
قبل المغيب – عبدالملك النعيم احمد – التعليم في سنوات الحرب…هل من رؤية؟
