الخنساء مجدي تكتب .. مسعد بولس الرجال الذي اعمت عيناه دماء الفاشر

لم يكن ظهور المبعوث الأمريكي مسعد بولس في المشهد السوداني حدثاً بروتوكولياً يمكن المرور عليه ببرود، ولا كانت الورقة التي حملها ضمن ما تُسمى بالرباعية سوى ورقة بؤس؛ بؤس في الفكرة، وبؤس في الغرض، وبؤس في محاولة قلب الحقائق وتدوير الروايات بما يخدم مشروعاً إقليمياً لا علاقة له بالسودان ولا بسلام السودان.

فالمبعوث الذي يُفترض أنه يقرّب وجهات النظر خرج أمام القيادة العسكرية يتصرف كما لو أنه “ضابط ارتباط” لجهة خارجية، لا وسيطٌ دولي محايد. جاء بورقة تلغي القوات المسلحة، وتحل الأجهزة الأمنية، وتبقي المليشيا في أماكنها ثم يتحدث بلهجة الآمر الناهي وكأن السودان ولاية تابعة أو أرض بلا سيادة

ورقة كتبت في أبوظبي… ووقعت في واشنطن

البرهان قالها بوضوح في تنويره العسكري:
“هذه الورقة تلغي وجود القوات المسلحة وتحل الأجهزة الأمنية… ونحن نرفضها بالكامل.”

لكن ما هو أخطر من الورقة نفسها، هو الرجل الذي حملها.

فبولس لم يبدُ وسيطاً بل ظهر كأنه مندوب مبيعات سياسي يحاول تسويق منتج إماراتي براق لكنه فاسد من الداخل.
خطابه نسخة كربونية من سرديات أبوظبي، وصدى مباشر لما يكتبه مستشارون في غرف مغلقة يرسمون مستقبل السودان على طاولات بعيدة عن دماء السودانيين وجراحهم.

لقد نسي الرجل – أو تجاهل عمداً – حجم الكارثة الإنسانية التي صنعتها المليشيا:
الفاشر، النهود، بارا، الجزيرة، أم درمان وغيرها …
مدن احترقت، أرواح أُزهقت ومجازر لا تزال دماؤها ساخنة.
ومع ذلك… لم تخرج من فم بولس إدانة واحدة ولا حتى همسة تضامن مع الأطفال الفاشر

لكن لسانه فجأة يلين ويتجرأ حين يتعلق الأمر باتهامات بلا دليل ضد الجيش السوداني:
منع الإغاثة؟
أسلحة كيميائية؟
تهديدات؟
لغة لا تحمل روح وسيط بل نبرة خصم.

هل انت وسيط أم مغسِّل سياسي؟!

الحقائق التي طرحها البرهان أمامه لم تكن مجاملة دبلوماسية، بل صفعة سياسية أعادت رجلاً تجاوز حدوده إلى حجمه الطبيعي.
فبولس لم يأتِ ليدير وساطة؛ بل ليقوم بدور المغسِّل السياسي الباحث عن تلميع جلباب محمد بن زايد من دماء السودانيين، وتبرئة يدٍ غرقت حتى المرفق فيما يجري في الخرطوم ودارفور والجزيرة والفاشر.

لقد أراد الرجل أن يفرض “حلاً” جاهزاً:
حلاً يجعل المليشيا التي ارتكبت أبشع الجرائم جزءاً من مستقبل السودان، بينما تُحل مؤسسات الدولة ويتم تفكيك الجيش.

أي وساطة هذه؟
وأي عقل يمكن أن يقبل بهذا الانقلاب المغلف بالديبلوماسية؟

حين قال البرهان:
“ورقتك غير مقبولة… ولا أحد في السودان يقبل بوجود هؤلاء المتمردين أو أن يكونوا جزءاً من أي حل”
لم يكن يطرح رأياً عابراً، بل يعبّر عن موقف وطني يتجاوز القوات المسلحة إلى ضمير الشعب.

ورقة بولس سقطت لأنها مزيفة:
كتبت في غير مكانها، ووجّهت لغير أهلها وتحمل مشروعاً لا علاقة له بالسلام، بل بتثبيت أمر واقع يخدم من يمولون ويخططون ويشعلون الحرائق بأيدي سودانية.

حين تتجاوز الوساطة حدودها… تسقط

السودان ليس ساحة بلا ذاكرة.
السودان و ليس شعباً يمكن تضليله بوثيقة مسلوقة في مكاتب أبوظبي
والسودان ليس بالدولة التي تسمح لمبعوث أن يحدد مستقبلها عبر خطاب كتبته جهات إقليمية تبحث عن نفوذ لا عن استقرار.

لقد قالها البرهان، وقالها العسكريون، ويقولها الشعب كل يوم:
لا حل يُفرض على السودان من الخارج.
لا وساطة محايدة إذا حملت رواية طرف واحد.
ولا مستقبل يُكتب فوق جراحنا بمداد غير سوداني.

الخلاصة

فالرجل لم يكن وسيطاً… بل جزءاً من المشكلة
وورقته لم تكن خارطة طريق… بل خريطة تفكيك.
وموقف السودان لم يكن رفضاً لطرف، بل رفضاً لنهج كامل يقوم على الاستعلاء والوصاية والتدخل السافر.

سقطت ورقة بولس.
وبقي السودان يقول بصوت واحد: قرارنا لن يُكتب في أبوظبي… ولا في أي عاصمة أخرى.
سلامنا نصنعه نحن…
وجراحنا لا تُساوَم.

Exit mobile version