كروت جديدة بين ترامب وبن سلمان بشأن الحرب في السودان

 

بقلم د . عبد الباقي الشيخ الفادني

في إطار القمة الثنائية التي جمعَت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مؤخراً في واشنطن تم التطرق إلى العديد من القضايا الإقليمية والدولية ، وكانت حرب السودان أحد المواضيع البارزة في تلك المباحثات ، في وقتٍ يشهد فيه السودان حرباً مستعرة بتمرد مليشيا الدعم السريع ، وزاد من إستعارها التدخلات الإقليمية فكان من الطبيعي أن يكون الوضع في السودان في صلب تلك المباحثات .

السياق الإقليمي وتداعيات التدخلات الخارجية :

يأتي هذا اللقاء في وقت بالغ الحساسية، حيث شهد السودان حرب مريرة منذ عام 2023م إثر تمرد مليشيا الدعم السريع وفي هذا السياق تلعب الإمارات دوراً ملحوظاً في دعم مليشيا الدعم السريع بشكل عسكري وسياسي ، وهو ما أسهم في تصعيد وتيرة الحرب ، وزيادة معاناة المدنيين في المدن الكبرى مثل الفاشر جراء إنتهاكات المليشيا .
هناك تقارير دولية كشفت عن تورط الإمارات في تزويد المليشيات بالعتاد العسكري والسياسي ، وهو ما زاد من تعقيد الأزمة السودانية وجعلها تتصدر أجندات القمة بين ترامب وابن سلمان ، في هذا الصدد، كانت السعودية في موقع حرج إذ كان عليها أن تتعامل مع التداعيات الإقليمية لهذا النزاع، خاصةً في ظل تصاعد النزاع في حدودها الجنوبية ضد جماعة الحوثي التي يحارب السودان بجانبها في إطار التحالف العربي ، لهذا السبب كانت السعودية تبذل جهوداً دبلوماسية حثيثة لإيجاد حل للأزمة السودانية ، مع التركيز على الحيلولة دون أن يتسع نطاق الصراع ليؤثر سلباً على أمن المنطقة بأسرها .

مواقف ابن سلمان في القمة الثنائية مع ترامب :

كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حريصاً على تقديم رؤية شاملة حول النزاع السوداني في هذا اللقاء. وفقًا لما أوردته مصادر دبلوماسية تحدث بن سلمان عن أهمية السودان بالنسبة للأمن الإقليمي ، مشيرًا إلى أن استمرار الحرب يهدد الإستقرار في منطقة البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي بشكل خاص .

تورط الإمارات وتأثيره على الموقف الدولي :

إن الدور الإماراتي في دعم مليشيا الدعم السريع، التي تتهم بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان في السودان ، فالتورط الإماراتي في دعم هذه المليشيا ، سواءً من خلال تمويلها أو تقديم الدعم اللوجستي زاد من تعقيد الأزمة السودانية وجعل المجتمع الدولي ينظر بقلق أكبر إلى التداعيات الإنسانية لهذا الدعم .
أفادت تقارير حقوقية دولية أن قوات الدعم السريع إرتكبت مجازر ضد المدنيين ، خاصةً في مدينة الفاشر مما جعل الموقف الإماراتي محط إنتقادات واسعة في الأوساط السياسية الغربية بذلك استطاع الأمير محمد بن سلمان أن يستغل هذه النقاط لتسليط الضوء على الأبعاد الإقليمية والدولية للمشكلة .

إستجابة ترامب وتصريحاته بشأن السودان :

فيما يتعلق بتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فقد أبدى اهتمامًا ملحوظاً لما يحدث في السودان ، مشيراً إلى توضيحات ولي العهد السعودي أن الأزمة هناك لها تداعيات مهمة على الأمن الإقليمي وعلى مصالح الولايات المتحدة في المنطقة عليه جاء تأكيد ترامب أنه من المهم أن تدعم الولايات المتحدة جهود السعودية في التوسط بين الأطراف السودانية ، وأضاف أنه سيبدأ العمل مباشرة في ملف الأزمة السودانية بعد التوضيحات التي قدمها محمد بن سلمان .

تأثير تصريحات ترامب على السياسة الأمريكية تجاه السودان :
إأن التصريحات التي أدلى بها ترامب قد تؤدي إلى زيادة الضغوط الدولية على الإمارات لوقف دعمها لقوات الدعم السريع، وهو ما قد يعيد تشكيل الأحداث في السودان في حال استمر التصعيد الإماراتي بدعمها اللا محدود لمليشيا الدعم السريع ، فقد تجد الإمارات نفسها في مواجهة إنتقادات دولية أكبر ، مما يضع ضغوطاً على علاقتها مع حلفائها الغربيين بمن فيهم الولايات المتحدة .

السيناريوهات المتوقعة بعد القمة الثنائية :

بناءً على المناقشات بين ابن سلمان وترامب يمكن تصور عدة سيناريوهات مستقبلية للأزمة السودانية:
1.إاستمرار الوساطة السعودية : من المرجح أن تواصل المملكة العربية السعودية دورها كوسيط رئيسي في النزاع السوداني مع دعم سياسي ولوجستي من الولايات المتحدة ، هذا السيناريو يتوقع أن يُركز على التوصل إلى هدنة طويلة الأمد ، ودعم جهود إعادة الإعمار في السودان .
2.ضغوط أمريكية على الإمارات : قد تتصاعد الضغوط الدولية على الإمارات لوقف دعمها لقوات الدعم السريع في حال إستمرت في دعمها مليشيا الدعم السريع المتمردة ، قد تواجه تعقيدات في علاقاتها مع الدول الغربية ، وهو ما سيؤثر على موقفها الإقليمي .
3.تصاعد وتيرة الحرب في السودان: في حال فشل كافة الجهود السياسية، قد يتصاعد الصراع بشكل أكبر، مما يهدد استقرار السودان ودول الجوار، وهو ما سيجبر الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على إعادة تقييم استراتيجياتهم في المنطقة.

ختاماً يمكن أن نخلص إلى أن المحادثات بين الرئيس ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حول السودان أكدت أن الأزمة السودانية هي قضية إقليمية ودولية معقدة تتطلب التنسيق بين القوى الكبرى في المنطقة ، في حين يظل دور السعودية في الوساطة أساسياً .
إن التصريحات الأمريكية قد تفتح الباب لمزيد من الضغوط الدولية على الأطراف المتورطة في دعم الحرب ، وخاصة الإمارات. ومع تصاعد التحديات الإنسانية والسياسية يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الجهود الدولية من إيقاف إستمرار الدعم لمليشيا الدعم السريع لايقاف الحرب مع التأكيد على سيادة الدولة السودانية ووحدتها أم ستستمر الحرب لتلقي بظلالها على مستقبل السودان والمنطقة؟

Exit mobile version