في زوايا الفاشر المكلومة، وفي أرياف كردفان الجريحة، لا تُسمع سوى أنين الطفولة المقهورة، وصرخات أمهات فقدن الأمان، ودموع أطفال لا يعرفون لماذا تحوّلت بيوتهم إلى رماد، ومدارسهم إلى أطلال، وأحلامهم إلى كوابيس.
مليشيات الدعم السريع الجنجويد الإرهابية، التي اجتاحت المدن والقرى، لم تكتفِ بتدمير الحجر، بل امتدت يدها إلى البشر، فمزّقت نسيج الطفولة، وحرمت آلاف الأطفال من حقهم في الحياة، في التعليم، في اللعب، وحتى في النوم الآمن. أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم وُلدوا في وطنٍ أنهكته الحروب، وتخلى عنه العالم.
في الفاشر، يُولد الخوف مع كل صباح. في بعض أجزاء كردفان، يُحاصر الجوع والمرض أجسادًا صغيرة لا تجد من يحنو عليها. المدارس مغلقة، المراكز الصحية مدمرة بسبب مليشيات الدعم السريع الجنجويد الإرهابية ، والملاجئ مكتظة. ومع ذلك، لا تزال عيون الأطفال تلمع بالأمل، رغم الدموع التي تسأل:
أين أنتم يا عرب؟ أين أنتم يا أفارقة؟ أين أنتم يا مسلمون؟
أين الضمير الإنساني من مشاهد النزوح الجماعي، من الأطفال الذين ينامون على الأرض بلا غطاء، من الرُضّع الذين يموتون في أحضان أمهاتهم بسبب االمليشيا؟
أين الإعلام العالمي من هذه المأساة؟ أين المنظمات التي ترفع شعارات حماية الطفولة وحقوق الإنسان؟
إن صمت العالم تجاه ما يحدث في السودان ليس مجرد تقاعس، بل جريمة أخلاقية وإنسانية. فحين تُنتهك براءة الطفولة، ويُستباح الأمان، يصبح الحياد خيانة، ويصبح الصمت تواطؤًا.
لكن وسط هذا الظلام، يظل بصيص الأمل في مبادرات المجتمع المحلي، في شباب وشابات يوزعون الخبز والماء، في أطباء يعملون بلا أجر، في معلمين يدرّسون تحت الأشجار، وفي أمهات يصنعن من الألم صبرًا ومن الرماد حياة.
أطفال السودان لا يريدون الشفقة، بل العدالة. لا يريدون الدموع، بل الأمان. لا يريدون بيانات الإدانة، بل أفعالًا توقف القتل، وتعيد لهم طفولتهم المسروقة.
فهل من مجيب؟ أم أن دموعهم ستظل تنادي في صمتٍ لا يسمعه أحد؟
