نظم أبناء دار حمر بمصر ونداء النهود ومجتمع السودان بمصر بمسجد القوات المسلحة بمدينة نصر بالقاهرة تأبينا للأمير عبد القادر منعم منصور أمير دار حمر وأمير أمراء الإدارة الأهلية في السودان والذي لقي ربه راضياً مرضياً بحاضرة إمارته مدينة النهود بولاية غرب كرفان نتيجة لعدم تلقي الرعاية الصحية اللازمة بعد احتلال مليشيا الجنجويد للمدينة ويجدر بنا هنا ذكر كلمات قليلات حول مآثره العديدة
اولاً الحمد لله الذي خلق الموت مقدماً على الحياة فقال في محكم تنزيله (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ( (2- سورة تبارك – فذلك يجعلنا نؤمن أن هذا هو سبيلنا، أولين وآخرين مهما طالت بنا الحياة، وقد قال الشاعر كعب بن زهير :
كلّ ابن انثى وإن طالت سلامته
يوما على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبور جنازة
فاعلم بأنّك بعدها محمول
اليوم نرثي ا علماً وطنياً فذاً وقائداً مقداماً شهماً كريماً معطاءً ينطبق عليه قول تماضر الخنساء في رثاء اخيها صخراً:
وإنّ صَخراً لَوالِينا وسيّدُنا
وإنّ صَخْراً إذا جاعوا لَعَقّارُ
وإنّ صَخراً لَتَأتَمّ الهُداة ُ بِهِ
كَأنّهُ عَلَمٌ في رأسِهِ نارُ
نقول ونحن نستلهم تجربته في الكرم والنحر حين ذرناه في برنامج الحوار المجتمعي في معية الدكتور سمية ابو كشوة وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي حينها فقد كان افطارنا ونحن لا نتعدى الخمسين فرداً ستة من الخراف المحشوة ثم نحر ناقة فقط لتقفز من فوقها الوزيرة كضيفة عزيزة خاصة وانها زميلة دراسة لحرم الامير السيدة نفيسة قريود .
نلتقي اليوم في عزاء سيد القوم القيادي الوطني الكبير الامير عبد القادر منعم منصور ، فلا غرو أن اشترك في اعداد هذه الفعالية نداء النهود وابناء دار حمر ومجتمع السودان بالقاهرة ذلك لان الراحل يمثل كل السودان وليس فقط قبيلته. وهنا تحضرني ابيات شوقي شاعر العصر في رثاء زعيم الحركة الوطنية مصطفى كامل:
المشرقانِ عليكَ ينتحبان . . . قاصيهُما في مأْتَمٍ والداني
يا خادمَ الإسلامِ، أجرُ مجاهدٍ . . . في الله من خُلْدٍ ومِنْ رِضْوان
دقات قلب المرء قائلة له . . . إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها . . . الذكر للإنسان عمر ثانٍ
مات الامير عبد القادر بعد 65 عاماً قضاها في العمل شاملة خدمة قبيلته منذ أن ضحى بدراسته في حنتوب ليبدأ شرتايا في ام قرنا جاك ثم تسنم زمام الأمور بعد وفاة أخيه منصور . حتى أصبح أمير أمراء الادارة الأهلية في كل السودان باجماع كل زعماءها لذلك جاب أنحاء البلاد وهو يفض المنازعات بحكمة غير مسبوقة حيث تشهد على ذلك كل ارجاء السودان .
اليوم نفتقد ركناً من أركان التعليم العالي فقد ظل لفترة طويلة رئيساً لمجلس جامعة غرب كردفان وقد ابتدر عند تأسيسها مشروع خروف الجامعة ليسهم مجتمع كردفان كله في هذا المشروع القومي الكبير فاصبحت الجامعة منارة تعليمية راسخة نتمنى ان تعود لسابق عهدها قريباً بإذن الله بعد تحرير النهود
الأمير عبد القادر كان مثالاً عظيماً للتضحية والفداء وقد كان فداؤه لكل الناس بدء من أسرته الصغيرة وانتهاء بالسودان الكبير فعندما حوصرت النهود ثم سقطت أرسل كل الأسرة خارج النهود وظل وحده وهو التسعيني يكابد معاناة الحياة وسط الجنجويد لأنه عاهد الله والشعب السوداني ان يموت في أرض أجداده .
ما أكثر الفواجع أيام الجنجويد وما أعظمها فنتيجة لهذا التمرد فقدنا الراحل عبد القادر منعم منصور، رجل يعجبك سمته ويدهشك صمته، وتسرك بشاشته، ويؤسرك فيضه، وضاح المحيا باسم الثغر، سليم القلب لا يحمل للناس سوى الحب، صاحب همة لا تلين وعزيمة لا تفتر، ولأنه يعشق الوطن فقد حمل روحه على كفه والقى بها في مهاوي الردى اعلاءاً لكلمة الله ودفاعاً عن الأرض والعرض.
نؤبن اليوم سياسي من طراز فريد يذكرك بالراحلين الشريف حسين الهندي والدكتور حسن الترابي والإمام الصادق المهدي، وغيرهم من الزعماء العظام، فهو ذلك البرلماني المعتق من ايام مجلس الشعب في عهد الرئيس الراحل نميري والى البرلمان ومجلس الولايات أيام حكم الإنقاذ بل هو البرلماني العابر للحدود عضو برلمان وادي النيل واتحاد البرلمانات الدولي.
فقدنا الامير عبد القادر ونحن نعاني تداعي الازمات في زمان النزوح، وآه منك يا زمان النزوح كما يقول أديبنا الراحل الطيب صالح،ولكن الحمد لله اننا نؤبنه في القاهرة تلك المدينة التي أحب فنزله فيها دائما ولسنوات طويلة هو فندق امباسدور ليتمشى في شوارع وسط البلد ويشتري دواءه من صيدلية دلمار في شارع 26 يوليو .
الأمير عبد القادر كان فارس حوبة ومناضلاً جسوراً عركته التجارب والخبرات، وفوق ذلك، هو صاحب قلب ابيض ويد نظيفة، طويل البال موطأ الاكناف يحاكي صبر التلبدي الذي قال فيه الشاعر الراحل يوسف البدوي حمد .
يمه صحي التبلدي أبوي ؟؟؟
وكان ما أبوي .. منو الأداني طولة البال ؟؟؟
منو الزقل الشموخ سفروق
على كتف السحاب شبال ؟؟؟؟
كفاك آوليد.. كفاك لا تقول
عرفت أبوك
أبوك ارتاح في ضل التبلدي
وساكن في قلب الواطا الداره.
الأمير عبد القادر لم يكن عطاؤه قاصراً على العمل العام الأهلي أو السياسي ولكنه كان نشطاً أيضاً في المجالات الثقافية والاجتماعية والرياضية والإنسانية، وكيف لا وهو ابن النهود ارض الثقافة والحضارة والتي كان فيها أول نادي في السودان وهو نادي السلام فقد سبق انشاءه نادي الخريجين بعام من الزمان في1917م
وسيكون استشهاده نبراساً يهتدى به في تحرير الارض للعودة للديار .ونستلهم هنا أبيات الشاعر التونسي الراحل أبو القاسم الشابي في رثاءه لأبيه :
مَا كنتُ أَحْسَبُ بعدَ موتكَ يا أَبي
ومشاعري عمياءُ بالأَحزانِ
أَنِّي سأَظمأُ للحياةِ وأَحتسي
مِنْ نهْرِها المتوهِّجِ النَّشوانِ
وأَعودُ للدُّنيا بقلبٍ خافقٍ
للحبِّ والأَفراحِ والأَلحانِ
نسأل الله ان يجعل الجنة مثوى له مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً، ونعزي هنا انفسنا وأ سرته الصغيرة والممتدة وكل الشعبين السوداني المصري والامة الاسلامية جمعاء.
الراحل الأمير عبد القادر كل الأمل أن نلتقيك باذن الله في جنة عرضها السموات والأرض على سرر متقابلين، لأننا نؤمن بما جاء في محكم التنزيل كما في سورة البقرة: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ١٥٥ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ١٥٦ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ١٥٧﴾
فهذه الآيات جرت العادة أن إذا سُمعت فإنها تُوحي بمصيبة، نعم هي ترافق المصيبة وتأتي معها ؛ لكن لا لتزيدها أو تعمّق جراحها بل لتخففها وتقوي الصبر عليها إنها اعتراف وإقرار من المصاب بأنّه وما أُصيب فيه وما فقده من مال أو أهل أو نحوه وكل شيء حوله كل ذلك لله سبحانه وتعالى .
ضل التاية – بروفيسور إبراهيم محمد آدم – في رثاء الراحل المقيم الأمير عبد القادر منعم منصور
