السماني عوض الله يكتب : “قل لا عاش من يفصلنا”

استغليت إحدي المرات مترو الخط الثالث ( الخط الأخضر) ،في طريقي الي مطار القاهرة الدولي ، وقد حظيت بالجلوس في أحد المقاعد ، وبعد عدد من المحطات ركب رجل يبدو عليه مصابا في رجله .فنهضت من مقعدي لأجلسه مكاني الذي يجاورني فيه شاب يحمل كتب قانونية حسب العناوين البارزة.

نهضت من مقعدي لكي يجلس ذلك الرجل ، وفعلا فعلت ولكن المفأجاة أن ذلك الشاب نهض ايضا وأصر علي بالجلوس مكانه ، رفضت ذلك الأمر ولكن الشاب أصر وبالحاح شديد وقد تحججت إليه إنه يحمل كتبا ثقيلة وأن عليه الجلوس في مكانه لكن رفض وقال لي يمكنك أن تجلس وتأخد الكتب بدلا عني لحين وصولي الي وجهتي .

نزل ذلك الشاب بعد عدد من المحطات وجاءت امراة فقمت لها من مكاني للجلوس وقد ابتسمت وشكرتني كثيرا وبعدها نزل ذلك الرجل المصاب و جلس مكانه أحد الركاب ، نظرت لي تلك المرأة مستغربة من تصرف ذلك الشخص الذي جلس مكان الرجل المصاب ونظرات عيونها تقول : أنت أحق بالجلوس منه وطلبت مني الجلوس مكانها وهي تقف لحين وصولها الي محطتها ولكنني أخبرتها بالبقاء في مكانها لأنني سأنزل المحطة القادمة حتي لا أشعرها بالحرج.

حكيت هذا الموقف ليس بغرض إنني فعلت ذلك واجبا يجب القيام به ، بقدر ما أردت به عكس مدي الإحترام الذي يكنه المصريون للسودانيين أينما وجدوا ، فقد ظل الشعب المصري يحترم السودانيين ويتعاطف معهم وهم في محنتهم التي حتما ستزول وأن السودانيين عندما نزحوا – لا أقول لجأوا – الي مصر ، لقناعة راسخة وإيمان كامل بأن عليهم أن يدخلوها بسلام أمنين وإنهم لن يخيب ظنهم في مصر شعبا وحكومة وأن المصريين أيقنوا أن الشعب السوداني ليس غرباء في مصر .

ولكن ….!! ضعاف النفوس الذين يبعون ضمائرهم بأبخس الأثمان ، لا يدركون تلك الحقيقة أنهم مهما فعلوا وأثاروا الفتن لن يغيروا ذلك الحب المتبادل بين شعبي وادي النيل والإحترام بينهما – وأن على أؤلئك الذين باعوا ضمائرهم أن يعلموا أن ذلك الحب لن تهزه حملاتكم الضالة والكاذبة ومهما أثاروا فتنة يغمدها ذلك الحب في مهدها .

قناعتي بأن هنالك تكامل شعبي وإنصهار قد حدث دون بروتكولات أو إتفاقيات ثنائية يوقعها المسؤولين في البلدين وأن العلاقة بين الشعبين لن تهزها رياح عابرة أو ذوابع وفرقعات إعلامية مأجورة .

ويلوح في الأفق القريب أن هنالك المزيد من التقارب ستظهره قادمات الأيام وأن المتربصين بهذه العلاقة لن يفلحوا مهما فعلوا لأن الشعبين أدركا أن المخطط لهدم هذه العلاقة قد أعدت له معاول الهدم والدمار وأن الشعبين قد أعدوا معاول أكثر قوة في التعمير وتمتين تلك العلاقة وتغني السودانيون بهذه الأبيات التي ترمز لقوة الإرادة :

أنت سودانى وسودانى أنا
ضمنا الوادى فمن يفصلنا
نحن روحان حللنا بدنا
منقو قل لا عاش من يفصلنا
قل معى لا عاش من يفصلنا
هاهو النيل الذى أرضعنا
وسقى الوادى بكاسات المنى
فسعدنا ونعمنا ههنا
وجعلنا الحب عهدا بيننا

أيها السودان دم أنت لنا
أيها السودان دم أنت لنا
واسقينا من نيلك العذب اسقينا
وأبعث العزة فى أشبالنا
وأحفظ الشيب كراما بيننا

يتغنون بأنغام المنى
سوف نحمى دائما سوداننا

ونزيح الستر عن هذا الضنى
ونغنى بعد ذا من لحننا
ليس يرضى الحر يوما بالضنى
أيها السودان دم أنت لنا

Exit mobile version