لمياء صلاح تكتب : “حين تصبح الشهادة صرخة حياة”

بين جدران الصفوف المنهارة، وتحت سقوف من الذكرى والترقب، يستعد طلاب الشهادة السودانية لخوض امتحاناتهم، لا كاختبار أكاديمي فحسب، بل كمواجهة مع مصير تَصاغ تفاصيله بين دفتي ورقة إجابة.

هؤلاء الشباب لا يدخلون قاعة الامتحان فقط بأقلامهم، بل يحملون على أكتافهم صوراً من الحرب، منازل مهدمة، وطرقات لم تعد تقود إلى المدارس. يدخلونها بذهن مثقل، ونفس لم تذق طمأنينة المذاكرة، ولا دفء دفاترهم القديمة.

إنهم ليسوا مجرد ممتحَنين، بل ناجين… من ويلات نزوح، من فقدان أصدقاء، من وطن تغيّرت ملامحه بسرعة الألم.

فمن يُعدّ هؤلاء؟ من يهيئ عقولهم لاستيعاب المعلومات بعدما اجتاحها دخان المدافع؟ من يرمم الجانب السيكولوجي والاجتماعي في دواخلهم ليقفوا بثبات أمام الأسئلة، وأمام الحياة بعدها؟

وهنا تبرز مسؤولية الدولة كاملة، لا تجزئة ولا تأجيل. فنجاح الامتحانات لا يعني فقط توفير ورق الأسئلة، بل يشمل تجهيز مراكز آمنة، مواصلات كافية، أدوات مساعدة، وبيئة نفسية سليمة. الدعم لا يكون شعارات، بل أفعال ملموسة.

وعلى المسؤولين أن يتعلموا من إخفاقات العام الماضي، فهي ليست مجرد ملاحظات في تقارير مؤرشفة، بل أمانة ثقيلة في أعناقكم أمام الله والتاريخ وأعين هذا الجيل المجروح. الكوارث تُعلّم، ولكن الأوطان لا تحتمل التكرار.

إن تعامل المراقبين والمعلمين داخل اللجان يجب أن يرتقي لمستوى الحدث. نحن لا نحتاج حراساً للورقة، بل رُسلاً للأمل. الكلمة الطيبة في تلك اللحظة قد تكون الفارق بين الانهيار والانتصار.

الشهادة السودانية ليست مجرد امتحان، إنها العتبة الأولى في مستقبل وطن. إما أن نعبر بها إلى نور جديد، أو أن نغرق في مزيد من التيه.

Exit mobile version