هل خارطة إبراهيم جابر في القمة العربية صادقة أم مناورة سياسية؟

بقلم : حافظ حمودة

في قمة عربية هي الأولى منذ اندلاع الحرب في السودان ، صعد الفريق إبراهيم جابر ، ممثل الحكومة السودانية ، ليرفع أمام القادة العرب خريطة طريق سياسية وعسكرية تستهدف وقف النزيف السوداني. في خطابه الذي ألقاه خلال الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الرابعة والثلاثين في العاصمة العراقية بغداد ، حمّل جابر رسائل واضحة ومباشرة إلى الأطراف الإقليمية ، داعياً إلى وقف إمدادات السلاح والدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع ، وفك الحصار عن مدينة الفاشر ، والالتزام بوقف إطلاق النار ، تمهيداً لانطلاق عملية سياسية تؤدي إلى حكم مدني شامل ومستدام .

لم يكن الخطاب السوداني مجرد دعوة للسلام ، بل كان محاولة لتفكيك عقدة إقليمية باتت تمسك بخيوط الحرب الداخلية . فالمطالبة بوقف الإمداد العسكري لقوات الدعم السريع تحمل اتهاماً ضمنياً لأطراف إقليمية بلعب أدوار غير معلنة في تأجيج الصراع . وقد بدا أن الحكومة السودانية تحاول، عبر منصة القمة ، تحشيد دعم سياسي عربي واضح لصالح “تحييد” التأثيرات الخارجية التي تطيل أمد الحرب ، وتمنح قوات الدعم السريع موارد إضافية تمكنها من فرض وقائع عسكرية على الأرض.

الدعوة لفك الحصار عن الفاشر ، جاءت في لحظة حرجة حيث تتعرض المدينة منذ أسابيع لهجمات مكثفة . حيث تمثل الفاشر مركز إنسانيا لعدد من معسكرات النازحين ، ومفترق طرق استراتيجي لقوات الجيش . إن المطالبة بإنهاء الحصار تعكس بعداً إنسانياً ، لكنها أيضاً تشير إلى نية الحكومة في الحفاظ على مواقعها في الإقليم ، ومنع انهيار الجبهة الغربية تماماً .

يواجه السودان اليوم أزمة تتشابك فيها المصالح العربية والإفريقية والدولية . ومن هنا ، فإن إلقاء جابر خطابه من منصة جامعة الدول العربية كان بمثابة اختبار لمواقف الدول العربية ، التي ظل كثير منها يتعامل بحذر أو صمت تجاه النزاع ، وربما بدوافع مرتبطة بالتحالفات أو الحسابات الأمنية .

قضايا مثل أمن البحر الأحمر، والهجرة غير الشرعية ، وانتشار الجماعات المتطرفة ، كلها ترتبط عضوياً باستقرار السودان . ومن دون تحرك عربي منسق ، فإن استمرار الحرب لن يهدد وحدة السودان فحسب ، بل سيعيد تشكيل خريطة التوازنات الجيوسياسية في المنطقة برمتها .

في جوهرها ، تبدو خارطة الطريق التي قدمها الفريق إبراهيم جابر مقاربة براغماتية تعترف بميزان القوى القائم لكنها تسعى لتعديله عبر الضغوط السياسية . غير أن هذا الطموح يصطدم بجملة تحديات ، أبرزها : عدم وجود ضمانات كافية لوقف الإمداد الخارجي للأطراف المتحاربة ، وتآكل الثقة بين الفاعلين المحليين ، فضلاً عن غياب آلية رقابة عربية أو دولية فعالة لتنفيذ أي اتفاق محتمل .

كما أن توقيت المبادرة يفتح الباب لتأويلات عديدة : هل هي تعبير عن رغبة صادقة في إنهاء الحرب ؟ أم مناورة سياسية لاستعادة المبادرة أمام المجتمع الدولي بعد تصاعد الضغوط الإنسانية والإعلامية ؟

أظهرت مداخلات بعض القادة العرب خلال القمة تبايناً في المواقف . فبينما عبّرت دول كالسعودية ومصر عن دعمها للحل السياسي ووقف التصعيد ، ظلت دول أخرى تتجنب الخوض في تفاصيل الصراع . هذا التردد في بلورة موقف عربي موحد يكشف عمق الانقسام في تقدير الموقف من الحرب السودانية ، كما يعكس تشابك المصالح بين بعض العواصم الإقليمية وأطراف النزاع .

غياب موقف عربي قوي وموحد يعطي إشارات سلبية ، سواء للشعب السوداني الذي يتوق إلى مخرج آمن من دوامة الحرب والدمار ، أو للأطراف الدولية التي قد تستغل هذا الفراغ لتوسيع نفوذها في الساحة السودانية .

خارطة الفريق جابر وضعت الأزمة السودانية على طاولة القمة العربية لكنها لم تضع بعد مساراً واضحاً للحل ، فهل تلتقط الدول العربية هذه اللحظة وتبني عليها مساراً فعلياً للتسوية ؟ أم أن الخطاب سيظل مجرد بيان مؤثر بلا أثر ؟
وهل يمكن لتوازنات الداخل والخارج أن تسمح بمرحلة انتقالية حقيقية ؟ أم أن السلاح سيبقى هو المحدد الأول والأخير للأزمة السودانية ؟
ثم ماذا ، إذا فشلت هذه الخارطة كما فشلت مبادرات سابقة ، فإلى أين يمضي السودان ؟
وهل سيظل يطلب النجدة من عواصم لا تسمع ، أم أن زمام المبادرة سينتقل إلى الداخل ، حيث لا صوت للشعب ؟

حافظ يوسف حمودة
19/مايو/2025

Exit mobile version