مندوب السودان بمجلس الأمن يوجه الأسئلة الصعبة لممثل الإمارات

بعث مندوب السودان بمجلس الامن السفير الحارث ادريس رسالة الي رئيس المجلس ردا على مندوب الإمارات جاء فيها

تحياتي
صاحب السعادة السفير/ إيفانجلوس سيكيريس – رئيس مجلس الأمن

أتشرف بأن أضع بين أيديكم الحقائق الآتية، رداً على الرسالة المؤرخة في 29 أبريل 2025، المقدمة من المندوب الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة، والذي بات في سلوكه ومواقفه متماهياً تماماً مع توجهات ومواقف مليشيا الدعم السريع التي ترعاها بلاده، تلك المليشيا المتهمة بارتكاب أفظع الجرائم الدولية من إبادة جماعية واغتصاب ممنهج ضد النساء والفتيات واستهداف متعمد للمرافق والأعيان المدنية بما في ذلك محطات الكهرباء والمياه، وغيرها من الجرائم التي تهز الضمير العالمي، إن كان لمندوب الإمارات اعتبار للقانون الدولي ومبادئه. لقد جاءت رسالته مليئة بالمغالطات الجوهرية ومحاولات فاشلة للتنصل من المسؤولية الدولية.

أولاً: إن أول تقرير نهائي صادر عن فريق الخبراء المعني بدارفور عقب اندلاع حرب العدوان الإماراتي على السودان (وثيقة S/2024/65 )، وثّق التقرير، استناداً إلى تحقيقات موسعة مدعومة بصور أقمار صناعية وشهادات متعددة المصادر، تورط دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل مباشر في إذكاء النزاع المسلح في السودان عبر إرسال أسلحة ومعدات عسكرية إلى مليشيا الدعم السريع. وقد جرى ذلك عبر رحلات جوية انطلقت من مطار أبوظبي وصولاً إلى مطار أم جرس بشرق تشاد، في انتهاك صارخ وصريح لحظر الأسلحة المفروض بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وأكد التقرير أن هذه الإمدادات ساهمت في تصعيد الأعمال العسكرية وارتكاب مجازر جماعية وجرائم عنف جنسي وعمليات تهجير قسري، ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.

ثانياً: واصل فريق الخبراء تحقيقاته بعد ذلك، وصدر عنه تقرير نصفي في 18 نوفمبر 2024، وثّق فيه جسراً جوياً عسكرياً استُخدمت فيه طائرات شحن من طراز Il-76TD انطلقت من مطارات رأس الخيمة والفجيرة محملة بالسلاح إلى مليشيا الدعم السريع. وقد اختفت بعض هذه الرحلات عن أجهزة الرادار في أجزاء من مسارها محاولةً التخفي والتستر على وجهتها النهائية. كما كشف التقرير عن تورط شركات إماراتية منها (Aganya Holding LTD) في هذه الأنشطة المشبوهة.

ثالثاً: هذه الوقائع لم تقتصر على تقارير فريق الخبراء المعني بدارفور، بل عززتها تحقيقات صحفية واستقصائية مرموقة، صادرة عن جهات مثل Yale’s Humanitarian Research Lab، وThe New York Times، وThe Wall Street Journal، وThe Guardian، وFrance 24، وAmnesty International، وآخرها تقرير لوكالة رويترز بتاريخ 29 أبريل 2025.

رابعاً: إن الادعاء بأن التقرير النهائي لفريق الخبراء خلا من أي إدانة للإمارات هو زعم غير دقيق، إذ لم يحظَ التقرير أصلاً بإجماع الفريق، حيث لم يوقع عليه جميع الخبراء الخمسة، في مخالفة واضحة لقواعد العمل الإجرائية للجنة العقوبات، وقد جرت بشأنه تحفظات موضوعية من عدد من أعضاء مجلس الأمن في أروقة لجنة العقوبات ذاتها.

خامساً: هناك أدلة مادية قاطعة تؤكد تسليم الإمارات أسلحة متطورة، خصوصاً في مجال الطيران المسيّر والمدفعية ومضادات الدروع، إلى مليشيا الدعم السريع، إضافة إلى استمرار خطوط الإمداد الجوية من جنوب ليبيا ونيالا وعبر بوصاصو إلى أنجمينا، وكذلك الخطوط البرية عبر الكفرة، وهي خطوط أسفرت عن تعزيز قدرات المليشيا وارتكاب مجازر في مدينة الفاشر، في خرق مباشر لقرار مجلس الأمن 2736، مع تمويه وتحايل في مسارات الرحلات الجوية لإخفاء طبيعة الشحنات.

سادساً: في تطور مرتبط، وثّقت جهات استقصائية دولية خلال الأسبوع الماضي وصول قذائف هاون ذات أرقام تسلسلية طابقت شحنات أرسلتها بلغاريا إلى الإمارات عام 2019، وانتهت في يد مليشيا الدعم السريع في الفاشر. وقد أكدت السلطات البلغارية أنها لم تصدر أي إذن بإعادة تصدير هذه الأسلحة إلى أي طرف ثالث، مما يثبت بما لا يدع مجالاً للشك عدم مشروعية الفعل الإماراتي ومخالفته الصارخة لقواعد القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

سابعاً: وفقاً للجهات الاستقصائية نفسها، امتنعت السلطات الإماراتية عن تقديم قوائم الشحن المطلوبة من قبل فريق الخبراء المعني بدارفور، والمتعلقة بحوالي 15 رحلة جوية هبطت في مطاري أم جرس وإنجمينا في تشاد، مما يؤكد عدم مشروعية شحناتها ويعكس تعمّد الإمارات عرقلة تحقيقات فريق الخبراء بحجج واهية، مثل التعلل بضيق الوقت

ثامناً: درج مندوب الإمارات على خرق أعراف وآداب التخاطب الدبلوماسي المتعارف عليها، عبر إشارته المتكررة إلى المندوب الدائم للسودان على أنه ممثل للجيش السوداني، في مخالفة واضحة للمادة (2)–1 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الأعضاء وفي تدخل سافر في الشؤون الداخلية التي هي من صميم السلطات الوطنية. وللتاريخ، فإن الجيش السوداني الذي يتطاول عليه مندوب الإمارات كان له دور جوهري في إنشاء القوات المسلحة الإماراتية، وكان قائده، الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، أول من ترأس اجتماعاً في أبريل 1972 لدعم دولة الإمارات الوليدة بالمساعدات الفنية والخدمية بعد عودته من زيارتها. كما كان الرئيس نميري أول رئيس دولة يزور الإمارات بعد اتحادها، بعد شهرين من زيارة الشيخ زايد إلى السودان في أولى زياراته الخارجية. وللتذكير، سبق لرئيس مجلس الأمن في سبتمبر 2024 أن لفت نظر المندوب الإماراتي إلى ضرورة التقيد بأدب التخاطب الدبلوماسي، وقد استنكر أعضاء المجلس آنذاك ذلك السلوك وأكدوا أهمية احترام الألقاب الرسمية المعتمدة للمندوبين الدائمين لدى الأمم المتحدة.

تاسعاً: بخصوص ما زعمه المندوب الإماراتي حول استخدام السيادة بشكل تعسفي لتبرير التجويع وحماية من يعرقلون وصول المساعدات الإنسانية أو يستخدمون موظفي الإغاثة، فإن من يمارس هذه الأفعال الإجرامية هي مليشيا الدعم السريع المدعومة من الإمارات، والتي تستمر في شن الهجمات بالطائرات المسيّرة والمدفعية على المدنيين والمرافق المدنية، بما فيها المستشفيات ومحطات المياه والكهرباء. وبدعم الإمارات المستمر، في خرق واضح لقراري مجلس الأمن 1591 و2736، تواصل هذه المليشيا الإرهابية عمليات القصف اليومي للأحياء السكنية وقتل النازحين في المعسكرات، وهي جرائم أدانها المجلس نفسه في بيانه الصحفي الأخير. لقد دمرت المليشيا أكثر من (312) مرفقاً علاجياً وطبيّاً في الخرطوم وحدها، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، وكل ذلك يجري بدعم وتشجيع من الإمارات.

عاشراً: أما الافتراءات التي أوردها المندب الإماراتي بشأن المساعدات الإنسانية والعراقيل المزعومة، فإنها تدحضها أمام رسالة السيد توم فلتشر إلى رئيس مجلس السيادة، المؤرخة في 9 ديسمبر 2024، والتي شكر فيها تعاون القيادة السودانية وسلطاتها المختصة مع خطته الإنسانية، وتسهيلها وصول الإغاثة إلى جميع المتضررين. إن مندوب الإمارات يتغافل عن حقيقة أن مليشيا الدعم السريع، الممولة والمسلحة من بلاده، هي التي تحاصر مدينة الفاشر وتقتل المدنيين والنساء والأطفال، وتمنع وصول المساعدات الإنسانية، مما تسبب في تفاقم الكارثة الإنسانية. في المقابل، فإن حكومة السودان قد فتحت المعابر الحدودية والمنافذ وخصصت المطارات لدعم وصول الإغاثة إلى المتضررين.

أحد عشر: بخصوص حديث ممثل الإمارات عن السلام، فإن من الضروري الإشارة إلى افتقاده للوازع الأخلاقي الذي يخوله للحديث عن السلام في حرب حرّضت عليها ورعتها بلاده، ويتعين عليه الإجابة الأسئلة التالية:

1. هل توقفت بلاده عن تزويد المليشيا بالسلاح لقتل المدنيين وتدمير البنية التحتية؟
2. هل حمّلت المليشيا التي تدعمها مسؤولية عرقلة وصول المساعدات الإنسانية وإدانة فظائعها الوحشية؟
3. هل ضغطت على المليشيا التي تناصرها للوفاء بالتزاماتها وتعهداتها الواردة في إعلان جدة بتاريخ 11 مايو 2023 وفي قرار مجلس الأمن 2736؟
4. هل التزمت بلاده بوقف انتهاكاتها لقرار مجلس الأمن رقم 1591 والقرارات الأخرى ذات الصلة؟
أخيراً، تؤكد حكومة جمهورية السودان أن جرائم دولة الإمارات في السودان ليست مجرد سطور في تقارير، بل هي مآسٍ دامغة محفورة في وجدان شعبنا: في دموع الأطفال اليتامى، وأنين الأمهات الثكالى، وصور المجازر الجماعية، والاغتصاب القسري، والتطهير العرقي. وستتخذ حكومة السودان جميع الإجراءات القانونية والسياسية الكفيلة بمساءلة المسؤولين عن هذه الجرائم، وتدعو مجلس الأمن إلى الاضطلاع بمسؤوليته الأخلاقية والقانونية في مواجهة هذا الإرهاب والعدوان الممنهج على سيادة السودان وأمنه واستقراره، وعلى السلم الإقليمي والدولي.

أرجو، صاحب السعادة، أن تتفضلوا بقبول فائق احترامي وتقديري، مع الرجاء بتعميم هذه الرسالة كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن.

مع خالص التقدير،،،
الحارث إدريس الحارث

شارك الخبر
FacebookTwitterEmailCopy LinkWhatsAppانشر

Exit mobile version