خبر و تحليل – عمار العركي – تصريحات سيادية ترسم ملامح شكل الدولة السودانية

*

• إن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها عدد من المسؤولين السودانيين بشأن الوضع العسكري والسياسي في السودان تكشف عن تحول في النهج الرسمي تجاه بعض الدول الإقليمية والعلاقات الدولية. هذه التصريحات تطرقت إلى موضوعات حساسة تتعلق بالتعامل مع الدول المجاورة والمجتمع الدولي، مع التركيز على قضايا مثل التدخلات الإقليمية في الشأن السوداني وتطورات الحرب الراهنة. ومن خلال تحليل هذه التصريحات، سنحاول فهم الدوافع السياسية والعسكرية التي تكمن وراء هذه المواقف، وتأثيراتها المحتملة على المستقبل السياسي للسودان. المقال سيعتمد على تحليل تصريحات مساعد الفريق أول ياسر العطا، وزير الخارجية د. علي يوسف الشريف، والناطق الرسمي ووزير الإعلام مهندس خالد الأعيسر.

*_تصريحات مساعد الفريق أول ياسر العطا بشأن تشاد وجنوب السودان والإمارات_*

• تتسم تصريحات الفريق أول ياسر العطا بتصعيد قوي ومباشر في الخطاب السوداني تجاه بعض الدول التي تُعتبر متورطة في الأزمة السودانية، سواء كان ذلك عبر دعمها المباشر أو غير المباشر لمليشيا الدعم السريع. التصعيد يأتي في وقت حاسم، حيث يحقق الجيش السوداني تقدماً ميدانياً ملموساً، مما يسمح له بإعادة تشكيل علاقاته الخارجية وفقاً لمصالحه الوطنية.
• فيما يتعلق بتشاد، تعكس الإشارة إلى مطاري “أنجمينا” و”أم جرس” كأهداف مشروعة رسالة قوية ضد أي دعم لوجستي يُقدَّم للمليشيا عبر الحدود السودانية-التشادية. يشير هذا التصعيد إلى أن السودان لن يقبل بأي تهديد لأمنه القومي، وخاصة من دول الجوار التي قد تغض الطرف عن الدعم لمليشيا الدعم السريع.
• أما في ما يتعلق بجنوب السودان، فإن حديث العطا عن “الاقتصاص من مراكز النفوذ” يعكس تزايد التوتر بين البلدين، مع الإشارة إلى دور بعض القوى في جوبا التي يُعتقد أنها دعمت المليشيا السودانية، مما يعقد العلاقة بين الجانبين.
• أما التصريحات بشأن الإمارات، فقد كانت الأشد وضوحاً، حيث وصف محمد بن زايد بـ”شيطان العرب”، وهو تعبير يدل على تصعيد غير مسبوق ضد أبوظبي. يشير هذا إلى أن السودان ربما يتجه نحو اتخاذ خطوات أكثر صرامة تجاه الإمارات، سواء على الصعيد الدبلوماسي أو الاقتصادي، في إطار إعادة النظر في العلاقات مع هذه الدولة.
• بشكل عام، تعكس هذه التصريحات تحولاً واضحاً في الموقف السوداني من سياسة ضبط النفس إلى اتخاذ مواقف أكثر حدة تجاه بعض الدول التي يُعتقد أنها أسهمت في إطالة أمد الحرب.

*_تصريحات وزير الخارجية د. علي يوسف الشريف حول شروط التفاوض وقف إطلاق النار_*

• تأتي تصريحات وزير الخارجية د. علي يوسف الشريف في سياق تفعيل خارطة الطريق التي أطلقتها الحكومة السودانية، والتي تمثل خطوة هامة في مسار الحرب الدائرة. تهدف خارطة الطريق إلى وضع شروط محددة لوقف إطلاق النار، تزامناً مع مكاسب الجيش السوداني الميدانية لتحقيق مكاسب سياسية بفرض “شروط المنتصر” مع تحقيق الجيش تقدماً ميدانياً ملموساً، والإعلان عن واقع سياسي جديد على الأرض.
• توجيه رسالة إلى المجتمع الدول مفادها أن الحكومة السودانية تؤكد أنها لن تقبل بحلول وسط أو تسويات تعيد إدخال المليشيا إلى المشهد السياسي.
• تعزيز الشرعية الدولية: وإظهار قوة الحكومة ورغبتها في تحقيق الاستقرار، مع تحميل المليشيا المسؤولية في حال رفضت.
• اشتراط الحكومة عدم الدخول في مفاوضات قبل انصياع الميليشيا لشروط الجيش: فيه ترسيخ لمعادلة “لا تفاوض إلا بعد الاستسلام”: هذا يشير إلى أن المليشيا لم تعد طرفًا يمكنه فرض شروط أو التفاوض على مستقبل البلاد. وضمان عدم منح الميليشيا فرصة لإعادة التسلح والتنظيم: أي مفاوضات قبل الاستسلام الفعلي قد تمنح المليشيا فرصة لاستعادة قوتها.

*_تصريحات الناطق الرسمي خالد الأعيسر ووقف الحرب لمدة ثلاثة شهور_ .*

• تصريحات الناطق الرسمي ووزير الإعلام خالد الأعيسر تأتي لتوضيح الحكومة السودانية وضعت أمام الأمم المتحدة خارطة طريق لوقف إطلاق النار لمدة ثلاث شهور تتاح فيها الفرصة للمليشيا بالانسحاب من المدن السودانية ووضع السلاح والتجمع في معسكرات معلومة ولن يكون هناك أي تفاوض ما لم تنصاع المليشيا لشروط القائد العام للقوات المسلحة السودانية … مع العلم أنه يوجد الان لدي الجيش السوداني قدرات عسكرية مهولة لم تكن موجودة في الأيام الاولي للحرب.. ، كما تبرز من خلال التصريحات الأبعاد السياسية والعسكرية لهذه الخطوة كمكاسب استراتيجية على الأرض، وهو ما يعكسه تقديم خارطة الطريق في هذا التوقيت.
• الخارطة تظهر أن السودان لن يقبل بعودة المليشيا إلى العملية السياسية بأي حال من الأحوا وأن الحكومة السودانية تضع شروطاً واضحة بأن المليشيا يجب أن تستسلم أولاً قبل الدخول في أي مفاوضات. وأي تسوية مستقبلية ستتم وفقاً لشروط الدولة السودانية، وليس وفقاً لتسويات دولية غير متوازنة.

*_خلاصـة القـول ومنتهـاه_ :*

• إن خارطة الطريق السودانية التي قدمتها الحكومة تمثل تحولًا جوهريًا في السياسة السودانية على الصعيدين العسكري والدبلوماسي. لم تعد مجرد مبادرة لوقف إطلاق النار أو تسوية سياسية، بل هي تأكيد على القوة العسكرية والسياسية للجيش السوداني، وهي توجيه رسالة صارمة للأطراف الإقليمية والدولية، تفيد بأن السودان هو من يحدد شروط المرحلة المقبلة. التصعيد في المواقف تجاه دول مثل تشاد وجنوب السودان والإمارات يعكس تحوّلًا في العلاقات مع الجوار والمجتمع الدولي، في سياق إعادة تقييم التحالفات وفقًا للمصالح الوطنية السودانية. هذه الخارطة ليست فقط خطوة لوقف النزاع، بل هي أيضًا خطوة استراتيجية تعزز من موقف السودان على الساحة الدولية، وتفتح المجال لخلق تحالفات جديدة تتماشى مع تطلعات الدولة السودانية، بعيدًا عن القوى الإقليمية التي سعت إلى إطالة أمد الأزمة.

Exit mobile version