خبر و تحليل – عمار العركي – رجعنا من جهاد الجاهزية الأصغر، إلى جهاد الانتهازية الأكبر؟

▪️كل التحليلات حول خطاب البرهان جاءت إما عاطفية بحسن نية، أو سياسية بحسابات حزبية انتهازية، تعكس محاولة جديدة لسرقة المشهد بعد أن بدأت معالم الانتصار تلوح في الأفق. ما يحدث الآن هو إعادة إنتاج لسيناريوهات سابقة، حيث تسعى بعض القوى السياسية إلى إستثمار تضحيات المقاتلين على الأرض لتحقيق مكاسب حزبية، دون أن تكون جزءًا فعليًا من المعركة.

*_الحزبية والانتهازية… خطر يهدد النصر_*

▪️مع تصاعد نبرة الانتصار، بدأت بعض القوى السياسية تحاول توظيف المقاتلين لصالح أجنداتها. هذه المحاولات قد تؤدي إلى تفكيك وحدة الصف، وتضييع الانتصارات والمكتسبات الوطنية، وإدخال الذين ضحوا في صراعات داخلية هم في غنى عنها.
▪️ما يحدث من تحريف وتجريف وسوء توظيف يعكس استمرار أزمة الخطاب التعبيري داخل التيار الإسلامي، حيث بات واضحًا أن هناك فرقًا جوهريًا بين خطاب الإسلاميين في الميدان، الذين قدموا أرواحهم دون حسابات سياسية، وبين خطاب بعض الأصوات العالية من الإسلاميين في السياسة، الذين يستعجلون الآوان وينتظرون لحظة الانتصار ليحصدوا الثمار.

*_الجاهزية الإجرامية والانتهازية السياسية… سيّان_*

▪️في الوقت الذي تلفظ فيه جاهزية الدعم السريع أنفاسها الأخيرة، دبَّت الروح في الانتهازية السياسية، وظهرت في أبشع صورها بعد أن عاودها الحنين إلى عادتها القميئة التي أوصلت السودان إلى ما هو عليه، بسرقة وانتهاز أي سانحة انفراج سياسي واعتلاء المنابر والمناصب على أكتاف الشعب البطل، المُخلص الأول – بعد الله – من بطش وقهر الجاهزية المدحورة ومن شايعها.
▪️الصنوف المقاتلة مع الجيش بكل راياتها ومسمياتها لبّت نداء الوطن “الاستنفار”، فما كان من بعض الأحزاب، وإن شاركت ببعض عضويتها التنظيمية الملتزمة، وأخري إستكملت “الربط” بإستتفار آخرين غير محزبين، ولا شكر لهم على واجب وطني.

*_زمان ومكان وشخوص اللقاء الذي خاطبه البرهان_*

▪️قبل الإعلان الرسمي للانتصار على الجاهزية، بحسب توقيت حرب الكرامة، وصل بورتسودان وفد الانتهازية السياسية تحت لافتة موغلة في الانتهازية، تم تصميمها على عجل ودون حياء أخلاقي أو سياسي شامل (القوى المدنية والمجتمعية). ضم الوفد أسماء معروفة ومُجرّبة، ولديها خبرات متراكمة وتجارب مشهودة في الانتهاز والاقتتات السياسي في كل موائد الحقب والأزمان السياسبة دون أن تدفع “واجب” المساهمة ، لكن فات عليهم أن هناك فرقًا شاسعًا بين أبريل 1985م حيث الانتفاضة المسروقة من الشعب، وأبريل 2023م حيث الكرامة المحروسة بالشعب.

*_البرهان يضع النقاط على الحروف_*

▪️خطاب البرهان كان خطابًا سياديًا عاديًا، فبصفته رئيس المجلس السيادي للدولة السودانية القومية وقائد السياسة الرسمية داخليًا وخارجيًا إلى حين، التقى بوفد سوداني سياسي – بغض النظر عن الانتهازية المعلومة لدى الشعب قبل البرهان – تمامًا كما التقى سابقًا بأكثر من وفد وتيار وكيان سوداني سياسي في إطار التشاور والتفاكر والاستماع والاطلاع.
تفاكر البرهان مع الوفد وخرج إلى الإعلام بوصفه السيادي القومي، وبخطاب قومي واضح ومفردات وطنية، أقلقت الانتهازية السياسية، فكشفت عن وجهها الحزبي الضيق بعد أن كانت تملأ وسائل الإعلام بشعارات مثل “الحصة وطن”، و”الفداء والقتال لله وللوطن”.
▪️حديث البرهان كان واضحًا، حيث أرسل رسالة صريحة بأن الجيش لن يسمح بأي مزايدات سياسية على حساب المعركة، وقال: “إذا أنتم وطنيون، فابتعدوا عن المزايدات الآن”.
وهذا الموقف يتقاطع تمامًا مع واقع المقاتلين في الميدان، وغالبيتهم من الشباب السودانيين الوطنيين غير المسيسين، الذين وجدوا في القوات المسلحة الحاضنة الأكثر أمانًا لهم، بعيدًا عن استقطابات الأحزاب وصراعاتها السياسية الشخصية.

*_الإسلاميون في الميدان… بعيدًا عن المزايدات السياسية_*

▪️هناك قطاع شبابي ملتزم دينيًا ووطنياً لم يتردد لحظة في تلبية نداء الاستنفار للدفاع عن السودان. هؤلاء لم يخوضوا المعركة بحثًا عن مواقع سياسية أو مصالح حزبية، بل تحركوا بدافع الإيمان بقضية الوطن، ورفعوا شعارات الفداء دون أن يمنّوا على الجيش أو الشعب بأي شيء.
▪️هذه الفئة تمثل تيارًا وطنيًا إسلاميًا حقيقيًا، بعيدًا عن صراعات الأحزاب ومنافساتها الداخلية، ولم تنخرط في المزايدات السياسية أو تحاول توظيف معركة السودان لمكاسب ضيقة. لكن مع اقتراب الحسم العسكري، بدأت بعض الأطراف في التحرك لإعادة إنتاج المشهد السياسي على حساب هؤلاء الذين بذلوا أرواحهم ودماءهم في سبيل الوطن.

*_خطبة الوداع لللبشير وخطاب البرهان الأخير_*

▪️لكن الانتهازية والتسابق داخل تيارات المؤتمر الوطني، سواء المتصارعة أو المتسلقة، أغفلت قراءة وفهم خطاب البرهان على حقيقته، تمامًا كما أغفلت وتجاهلت وصية رئيس المؤتمر الوطني عندما داهمته سكرات الموت السياسي عن عمر ناهز الثلاثين عامًا، حين اعتلى المنصة يتوكأ، مخاطبًا الشباب في وصيته الأخيرة:
” *يا شباب … ما حا أديها للمؤتمر الوطني ولا لأي حزب، امشوا رتبوا صفوفكم وتعالوا أسلمها ليكم* “.
وشتان ما بين خطبة البشير بطعم الهزيمة وخطاب البرهان بطعم النصر ، فكم كان البرهان متوازناً ولم يغتر وكم كان البشير مهزوزا للحسرة يجتر ، مع ملاحظة أن غالبية ما كُتب أو قيل كان بأقلام وأصوات خلافية ونشاز من داخل حزب المؤتمر الوطني ، وإما انتهازية متسلقة على جدار الحزب. وهذه أزمة شخصية داخلية لا يجب أن يتضرر منها كيان الحزب. وهنا تأتي رسالة البرهان المتوازنة ومقبولة بمعني : “امشوا رتبوا حالكم وبيتكم الداخلي وتعالوا بالانتخابات، وليس بالمنّ والأذى والمزايدات”.

خلاصة القول ومنتهاه

▪️الحقيقة تقول إن التيار الشبابي الوطني العريض، بما فيهم الإسلاميون والحزبيون، قاتل بإخلاص وبحسابات وطنية دون أن يكون جزءًا من الحسابات السياسية. وخلال فترة الاحتضان والمعارك، وجد هذا التيار نفسه أقرب إلى الجيش من القيادات السياسية التي تحاول الآن العودة إلى المشهد عبر استغلاله، فأصبح على درجة من الوعي السياسي والتميّز.
▪️نُصحي لكل الأحزاب، بما فيها الكبير الضخم “المؤتمر الوطني “، لابد من إدراك هذه الحقيقة وعدم ترك التيار الانتهازي يمضي في شيطنة البرهان واستعدائه، وهو لم يعادِيكم. وإن تطور استعداء البرهان إلى درجة المفاصلة، فلا تتفاجوا بانحياز شباب الكرامة المقاتلين للبرهان، كما انحاز شباب الإنقاذ للبشير.

Exit mobile version