ضل التاية – بروفيسور إبراهيم محمد آدم – طوفان الأقصى وتأثيراته على الشرق الأوسط (3-3)

في مقالنا السابق رأينا كيف أن روسيا قد تخلت عن حليفها الأسد واهتمت فقط بضمان قواعدها الثلاثة البرية والبحرية والجوية في حيميم واللاذقية وطرطوس وأنها قد ضمن وجودها هناك حتى إذا انزلقت سوريا لحرب اهلية من احتمالاتها التقسيم، ومن عجب ان سوريا بعد ثورة شعبها على نظام الأسد قد اصبحت فريسة مقسمة بين الدول الطامعة فيها وهي لم تكن صاحبة وجود تاريخي هناك عدا تركيا في عهد الدولة العثمانية، فقد أوجدت امريكا مكانا لها في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا تحت ستار تنظيم صنعوه ثم فككوه وهو تنظيم داعش، وحتى بعد أن انتهت مسرحية تنظيم داعش لا تزال تحتفظ بقواتها هناك لمحاربة ما تسميه بالأرهاب، أما تركيا فلا تزال تحتل العديد من المنطق في الشمال السوري بحجة محاربة الأكراد الذين هم حلفاء لأمريكا حليفة تركيا، في تناقض غريب في عالم السياسة الدولية.
إن الوجود التركي في الشمال السوري هو ما دعا ايران حليفة نظام الأسد لاتهام سوريا باسقاط نظامه لصالح هيئة تحرير الشام المتحورة عن جبهة النصرة وتنظيمات أخرى وأن دعمها لتلك الجبهة هو ما يفسر الانهيار السريع لنظام الأسد وتولي هيئة تحرير الشام لمقاليد الامور في سوريا، وقد ادى انهيار النظام لترك الجيش السوري نهباً للعدوان الاسرائيلي فدمر الطائرات وهي رابضة في المطارات والقطع البحرية في القواعد السورية بل وحتى المعامل الكيمائية والبحثية بحجة أحتواءها على أسلحة كيمائية وتلك فرية اسقط بها من قبل نظام صدام حسين في بغداد فسقطت معه الدولة،وحال العراق اليوم يشابه حال سوريا من حيث الوجود الايراني والامريكي وغيره.
غير أن الأمر المثير للاستغرلاب أن نظام الأسد الذي وجه كل طاقاته للتنكيل بالشعب السوري وسامه سوء العذاب لم يطلق رصاصة واحدة تجاه اسرائيل منذ وقف اطلاق النار في الجولان عام 1974م ، وفي تلك الحرب أعلنت القيادة السورية سقوط القنيطرة قبل سبع ساعات من سقوطها و لاتزال الاسئلة تترا عن اسباب ذلك التصرف.
هذا التغيير ايضا يضع مزيداً من علامات الاستفهام حول جدوى القواعد الاجنبية في الدول العربية فعندما تعرضت قطر لتهديد مباشر من قبل بعض دول الخليج لم تحمها من الانهيار سوى تركيا التي ارسلت بقواتها سريعاً إلى هناك بل ظلت القواعد الامريكية وغيرها متفرجة على ما يحدث وذات الشيء حدث مع جيبوتي عندما دخلت الحرب ضد ارتريا اثر نزاع حدودي عام 2008م وتوسط قطر لحل النزاع الذي تجدد مرة اخرى في عام 2017م ، ومن غرائب السياسة الدولية ان ارتريا قطعت علاقاتها مع قطر وخفضت جيبوتي التمثيل الدبلوماسي مع قطر تضامناً مع السعودية والأمارات والبحرين، وفي ذلك النزاع لم تتدخل القواعد الاميركية والفرنسية والصينية واليابانية الموجودة في اراضيها لصالحها وكانت الإجابة حينها إننا هنا مستأجرون لحماية مصالحنا في البحار وليس للدفاع عنكم .
إن سوريا اليوم تضم اكثر من 800 قاعدة ونقطة عسكرية اجنبية فالولايات المتحدة دخلت هذا البلد من العام 2011م لمحاربة تنظيم داعش المزعوم ودعمت قوات الاكراد المعروفة بقوات سوريا الديمقراطية وتحتفظ أمريكا حاليا بنحو 800 جندياً هناك في 17 قاعدة و13 نقطة عسكرية في عين العرب وتل ابيض وغيرها بينما كانت ايران تمتلك 529 موقعاً عسكرياً موزعة على 14 محافظة أما تركيا فتملك 12 قاعدة و 114 نقطة عسكرية ولروسيا 63 الف جندي في سوريا في 114 منشأة عسكرية من 21 قاعدة و93 موقعا عسكرياً في حماة واللاذقية والقنيطرة والحسكة وحلب والرقة ودير الزور وادلب ودرعا كما أن نظام الاسد أعطى الروس منفذاً في المياه الدافئة كما تسمى واردف ذلك بقاعدتين بحرية وجوية ولكنها لم تحم سوريا عندما تعرضت لعدوان جوي اسرائيلي ولم تقم روسيا بتحديث شبكات الدفاع الجوي السورية كما طلبت دمشق بل وطوال العدوان الاسرائيلي على مقدرات الجيش السوري عقب سقوط نظام الاسد لم تقف روسيا معها رغم وجودها في قواعدها تلك وهذا تحول مهم في العلاقات الدولية يجب أن تعيه الحكومات والشعوب وهي ان من يحمي البلد هم فقط اهلها وليس أي وجود أجنبي وان تزين لهم ذلك وإذا كان الرئيس السوداني السابق عمر البشير يقول ان المتغطي بامريكا عريان ، فإن المتغطي بروسيا ينطبق عليه ذات القول.
غير أن التطور المهم الذي نريد ان نختتم به تلك المقالات هو أن الحرب التي اعلنتها اسرائيل على حماس والشعب الفلسطيني الذي ينظر اليها رمزاً للصمود والمقاومة بعد ان سارت فصائل أخرى في قطار التطبيع واخذت تنال رواتبها من العدو وبالتالي أصبحت أسيرة له، ولكن انهيار النظام السوري تحت الضربات الاسرائيلية لحزب الله في سوريا ولبنان وانسحاب ايران من المشهد نتيجة ارتباطها العميق بحزب الله جعل جبهة النصرة تصعد إلى المشهد وهي أيضا فصيلاً اسلاميا سنياً مقاوماً تم تشكيله في العام 2011م عقب الثورة السورية وفي 28 يناير من العام 2017 كونت هذه الجبهة مع فصائل خمس أخرى هيئة تحرير الشام وهي تجد النصرة والتأييد من تركيا وقطر والعديد من الأحزاب والجماعات الاسلامية الملتزمة، ورغم الضربات التي تلقاها الجيش السوري من العدو الصهيوني استغلالاً لفراغ تركه سقوط الأسد إلا إن امكانية نهوض سوريا مرة أخرى متوفرة فالشعب السوري به العديد من الكفاءات الوطنية وقد بدأوا مباشرة مشوار العودة إلى بلادهم في تدافع مهيب دعا السطات في تركيا إلى زيادة طاقات المعابر من خمسة ألف الى عشرين مسافراً في اليوم الواحد.

Exit mobile version