69 عاماً من نيـل الحريـة.. محطات مهمة،، استقلال السودان،، قصـة البطـولات والتضحيات

..

محطات ومنعرجات سياسية مهمة مرت عليها فصول حكاية الاستقلال..

تضحيات جسام وبطولات عظام قدمها الرعيل الأول من الحركة الوطنية..

مشاهد ومواقف بطولية، وثورات شعبية ساهمت جميعها في طرد المستمر..

الفريق تاور: سيطرة حميدتي وتمدد نفوذه كان سبباً في اندلاع حرب الكرامة..

ينبغي الاستفادة من دروس الاستقلال لبناء سودان ما بعد مرحلة الحرب..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..

بحلول اليوم الأربعاء الأول من يناير من العام 2025م يحتفل السودان بإطفاء الشمعة التاسعة والستين من استقلاله المجيد، ويوقد الشمعة السبعين، وما بين العام 1956م يوم رفع الزعيمان التأريخيان إسماعيل الأزهري ومحمد أحمد المحجوب، علم السودان على سارية القصر الجمهوري، وبين العام 2025م مرت الكثير من المياه تحت الجسر، وبرزت العديد من التحديات التي جعلت من استقلال السودان حكاية درامية ودراماتيكية يحكي كل فصل منها عن مجاهدات ومكابدات التقت فيها أجيال قدمت الغالي والنفيس من التضحيات، بأجيال رسمت ملامح البطولات، ومع ذلك ما تزال ( ساقية ) العطاء مستمرة من لدن المعارك الضارية التي خاض لهيبها أجدادنا ضد الغزو التركي، وصلف محمد علي باشا، مروراً بمجاهدات الثورة المهدية بقيادة محمد أحمد المهدي، وانتهاءً بشجاعة وإقدام بواسلنا من القوات المسلحة والقوات المساندة لها وهم يخوضون أشرس المعرك في أشرف الميادين ضد التتار الجدد من أوباش الجنجويد الأنجاس المناكيد.

استقلال ولكن:
لقد جُبل ( الزول) السوداني على المكابدة وركوب المخاطر من أجل تحقيق غاياته وأهدافه التي لم يتحقق منها حتى الآن سوى نيل الاستقلال وطرد المستعمر الإنجليزي واستنشاق عبق الحرية، فيما تبقى الكثير الذي يتطلع إليه الشعب السوداني بأن يرفل في نعيم الأمن والسلام والاستقرار، وأن يتمتع بالرفاهية وتسود فيه قيم العدالة والمساواة، وتبقى الحقيقة الماثلة أن استقلال السودان لم يأتِ إلا من خلال محطات نضالية توزعت بين أرجاء البلاد من خلال ثورات وملاحم وطنية زُهقت فيها الأرواح والأنفس وسكبت فيها الدماء وبُذل العرق، لتكون المحصلة ارتفاع علم السودان بألوانه القديمة التي ترمز للنيل والصحراء والسهول والخضراء وهي الأزرق والأصفر والأخضر والذي كانت قد صممته الشاعرة والمعلمة والفنانة التشكيلية السريرة مكي عبد الله الصوفي والتي رحلت عنا في صمت خلال العام 2021م.

ثورات ومشاهد بطولية:
وتحكي فصول حكاية النضال ضد المستعمر البغيض، والبحث عن الحرية ونيل استقلال السودان عن ثورات ومشاهد بطولية، فعلى سبيل المثال وليس الحصر تقف منطقة الشايقية بنهر النيل شاهداً على موقف الشاعرة مهيرة بت عبود في تحفيز السودانيين ضد المستعمر والدور الذي قامت به في التصدي لإسماعيل باشا عند دخوله أراضي الشوايقة مما أدى إلى حرقه ورفاقه من الضباط والجنود، وفي منطقة جبال النوبة اندلعت العديد من الثورات، كثورة الفكي علي الميراوي في كادقلي، والدلنج كانت ثورة السلطان عجبنا وابنته مندي صاحبة المارش العسكري الشهير، وفي تلودي أحرقت نيران الثورة المحلية المأمور الإنجليزي أبو رفاس، وفي دارفور كانت هنالك ثورة الفقيه عبد الله السحيني شهيد الكرامة الوطنية، وفي الجزيرة تتأهب الآن القوات المسلحة والقوات المساندة لها لاسترداد عافية الحرية والتخلص من دنس الجنجويد، لتعيد السيرة الأولى لنضالات جدها الشهيد الشجاع عبد القادر محمد إمام (ود حبوة) ” أسد الكداد الزام، الهزَّ البلد من اليمن للشام، وفي الخرطوم كانت ثورة الكلية الحربية والتي فجرها منتسبون لجمعية اللواء الأبيض التي كان يقودها المناضل علي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ، وثم كانت مشاركة قوة من الجنود السودانيين في الحرب العالمية الثانية، والتي حققوا من خلالها الانتصارات فكسبوا الرهان، فلم يكن أمام الملكة فكتوريا خيارٌ سوى أن تأمر بمنح السودان استقلاله، ليأتي التاسع عشر من ديسمبر من العام 1955م، فيقدم النائب عبد الرحمن دبكة من دارفور مقترحاً بإعلان الاستقلال من داخل البرلمان، ليثني على المقترح النائب مشاور جمعة سهل من كردفان، فيكمل الرجلان لوحة مضيئة من البطولات والثورات والنضالات التي قدمها السودان بمختلف جهاته وأرجائه حتى تحقق الحلم بطرد المستمر ونيل الاستقلال في العام 1956م.

منعرجات سياسية:
وبعد مرور أكثر من تسعة وستين عاماً يرى الخبير العسكري والقانوني فريق شرطة دكتور جلال تاور أن السودان قد مرّ طوال هذه الحقبة الزمنية الطويلة بمنعرجات ومنعطفات سياسية تبودلت فيها رايات السلطة ما بين الديمقراطية الحزبية، والديمقراطية البرلمانية، والانقلابات العسكرية، ويشير الفريق تاور في إفادته للكرامة إلى فشل الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية من لدن حزبي الأمة بجناحه الطائفي الأنصار، والاتحادي الديمقراطي بجناحه الطائفي الختمية، منوهاً إلى احتكار رئاسة الحزب لدى شخص واحد وتطاول أمدها لسنوات وسنوات، الأمر الذي يتنافى مع مفهوم الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، مبيناً أن هذه الممارسة السلبية ألقت بظلالها على المشهد السياسي في السودان، خاصة في ظل الولاء الأعمى للطائفة والأسرة والذي سار على نهج الإدارة الأهلية مما شكَّل مهدداً حقيقياً للوحدة الوطنية، وتطرق الخبير الاستراتيجي جلال تاور إلى تجربة الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ الدكتور حسن الترابي والتي استمد أصولها من جماعة الإخوان المسلمين في مصر بقيادة الإمام حسن البنا، وقال إن هذه التجربة تطورت إلى جبهة ميثاق، ثم جبهة إسلامية نفذت انقلاب الإنقاذ الشهير في العام 1989م والذي قطع الطريق على اتفاق الميرغني – قرنق، لتخوض الحركة الإسلامية تجربة حكم استمرت زهاء الثلاثين عاماً شهدت الكثير من النجاحات والكثير من الإخفاقات خاصة في مبادئ الحكم والعدالة ومكافحة الفساد، والتسليح القبلي والاستعانة بحميدتي قائد ميليشيا الدعم السريع، مبيناً أن تراكم الإخفاقات والفشل أدى إلى حدوث التغيير والإطاحة بنظام عمر البشير باندلاع ثورة ديسمبر 2018م وسقوط نظام الإنقاذ.

الكرامة والدروس المستفادة:
وتناول الخبير العسكري والقانوني فريق شرطة دكتور جلال تاور الفترة الانتقالية التي أعقبت اندلاع ثورة ديسمبر والهشاشة والفوضى التي صاحبتها مما أدى إلى وقوع السودان في شر مستطير نتيجة ما وصفه بالتفكير الأرعن والساذج من بعض الأخوة الذين قال إنهم استهانوا بالقوة العسكرية واللوجستية والمالية للسودان بعد انفصاله، وانتقد الفريق جلال تاور فكرة سيطرة قائد الدعم السريع على مقاليد الأمور بتمدد نفوذه السلطوي والسياسي والمالي عبر الدعم السريع بالإضافة إلى تقلده منصب النائب الأول لرئيس مجلس السيادة، ليؤدي طموح حميدتي عبر منصة الاتفاق الإطاري إلى وقوع الانقلاب المشؤوم في الخامس عشر من أبريل 2023م والذي انهك السودان وأرهق شعبه بعد أن أزهق العديد من الأرواح ودمر البنية التحتية، وفي المقابل فقد عملت هذه الحرب على توحيد الجبهة الداخلية وأحدثت التفافاً واصطفافاً غير مسبوق من قبل الشعب حول قواته المسلحة، مؤكداً أن كل هذه المعطيات تؤكد أن النصر آتٍ لا محال، لينعم الشعب السوداني بالأمن والاستقرار ونبذ الجهوية والقبلية.

خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر تبقى المحطات والمنعرجات التي أسست لحكاية الاستقلال بمثابة دورس وعظات ينبغي الاستفادة منها في بناء سودان ما بعد حرب الكرامة في كيفية توظيف وحدة وتماسك والتفاف الجماهير حول القوات المسلحة في التأسيس لمستقبل الدولة السودانية القائمة على تماسك اللُحمة ونبذ الجهويات والعصبيات وتعزيز قيم الحرية والعدالة والمساواة، وترسيخ مبدأ أن يكون السودان خالياً من العمالة والخيانة والارتزاق، وقائماً على أساس المواطنة، وخيركم خيركم لوطنه.

Exit mobile version