وزير الخارجية المصري : اللاجئون السودانيون أشقاء لنا حتى يعودوا لبلادهم ونتعامل معهم بأكبر قدر من الاحترام

 

على مدى ثلاث ساعات تقريبا استضافت جريدة الأهرام وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج الدكتور بدر عبد العاطي،فى لقاء مطول مع كبار كتاب الأهرام بحضور الدكتور محمد فايز فرحات رئيس مجلس إدارة الأهرام، والكاتب الصحفى ماجد منير رئيس تحرير الأهرام، فى لقاء اتسم بالصراحة والنقاش البناء، حيث قدم الدكتور عبدالعاطى خلاله شرحاً لمحددات السياسة الخارجية المصرية فى هذا التوقيت العصيب، وفى ظرف دقيق تتصاعد فيه وتيرة الأزمات بالمنطقة، كما طرح الحاضرون تساؤلاتهم وتصوراتهم؛ ليتحول اللقاء إلى ما يشبه جلسة عصف فكرى، حول العديد من الأفكار والمقترحات بشأن الدور المصرى والسيناريوهات التى يبدو أن المنطقة مقبلة عليها؛ سعيا لطرح رؤى استشرافية تجاه الأوضاع الإقليمية والدولية.

 

فى البداية أكد ماجد منير تشرف الأهرام بزيارة وزير الخارجية ووجوده وسط كوكبة من كبار الكتاب، مبينا أن الأهرام تتشرف بكتابها الكبار وكتاباتهم القيمة التى أسهمت فى تشكيل الوعي والرأى العام. وأشار منير إلى أن الظروف الحالية تطرح محاور وملفات كثيرة على طاولة الحوار، منها على سبيل المثال التطورات الإقليمية والعلاقات الإفريقية وعلاقتنا بالقوى الدولية فى ظل التطورات التى تشهدها المنطقة والعالم، ودبلوماسية التنمية التى أصبحت تمثل بعدا هاما خاصة مع تولى الوزير بدر عبد العاطى مهام منصبه، بالإضافة إلى عودة ملف المصريين فى الخارج لوزارة الخارجية.

 

من جانبه رحب الدكتور محمد فايز فرحات بالدكتور بدر عبد العاطي، ووصف اللقاء بأنه مهم لأسباب كثيرة، منها خلفيته الأكاديمية ومسئوليته عن وزارة شديدة الأهمية فى هذا التوقيت تحديدا، وقال إن لقاءه كبار الكتاب وهم قامات فكرية كبيرة يجسد عظمة مؤسسة الأهرام.

وبدوره استهل وزير الخارجية مداخلته بالإشارة الى أن الأهرام مؤسسة عريقة أسهمت فى تشكيل الوعى السياسى والإطار الفكرى لأجيال من المصريين والعرب، فضلا عن كونها مصدرا رئيسيا للتحليل والمعرفة، وللخبرات والطاقات والقوة الناعمة لمصر.

تحديات إقليمية

قال وزير الخارجية إن مصر لم تمر فى تاريخها القديم أو الحديث بمثل هذا العدد من التحديات بالغة الخطورة التى انفجرت فى وقت واحد، موضحاً أنه سيطرح رؤيته فى عدة نقاط، استلهاما من توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى والمبدأ الذى أرساه، وهو الاتزان الاستراتيجى والبعد عن حالة الاستقطاب الدولية، وإعلاء المصلحة الوطنية كبوصلة رئيسية تحكم السياسة الخارجية وتفاعلاتها. وأشار أولاً إلى أن المنطقة تشهد تراجعاً لدور ومؤسسات الدولة الوطنية بل وانهيارها فى بعض الحالات فى منطقتنا العربية والإفريقية، وهو وضع شديد الخطورة على الاستقرار فى المنطقة، لأن الفراغ الذى ينجم عن ضعف مؤسسات الدولة الوطنية مرشح لأن تستغله أطراف أخرى من الفاعلين دون الدول، سواء كانت جماعات إرهابية أو أذرعا لدول من خارج الإقليم، وهو أمر نلمسه فى ليبيا وسوريا واليمن، منوها كذلك بالوضع المتردى فى كل من لبنان والسودان.

وأشار عبد العاطى ثانياً إلى العواقب الوخيمة للانتهاكات الإسرائيلية السافرة للقانون الدولى والإنسانى وميثاق الأمم المتحدة، والتى تتم بشكل يومى وسط صمت دولى مخجل، وفى ظل غياب النظام الدولى القادر على لجم هذا العدوان، وعلى الرغم من الاعتداءات اليومية على وكالة الأونروا وقوات اليونيفيل، موضحا أن هناك شللا فى المنظومة الأممية والمنظومة متعددة الأطراف فيما يتعلق بمسائل السلم والأمن الدوليين، بالإضافة إلى تضارب فى مواقف القوى الإقليمية.

ونوه إلى الفشل الكبير فى المنظومة الأممية والدولية، فيما يتعلق بالحفاظ على السلم والأمن، والمثال على ذلك مجلس الأمن، الذى يعجز عن اتخاذ قرار يتعلق بالقضية الفلسطينية ونزاعات أخرى، ويطلق العنان لقيادات سياسية متطرفة تتصور أن دولها فوق القانون وغير قابلة للمساءلة، مستنكراً قتل أكثر من 200 موظف من وكالة «الأونروا»، معرباً عن أسفه لرؤية الدول الغربية التى تتحدث عن حقوق الإنسان وإرساء نظام دولى قائم على القواعد تغض الطرف تجاه الانتهاكات الصارخة فى الأراضى الفلسطينية.

ووصف ذلك بالوضع المؤسف الذى يدعو للأسى الشديد من وصول المجتمع الدولى لهذا المستوى من ضعف القدرة على فرض القانون وإنفاذه والفشل فى وقف هذه الحرب الدموية، موضحاً أن مصر حذرت مرارا من التصعيد الخطير الذى تشهده المنطقة، وأن التدهور الحالى مرتبط بأصل الداء وهو استمرار الظلم التاريخى الواقع على الفلسطينيين والعدوان على غزة، مشيراً إلى اقتناع مصر بأن خفض حدة التصعيد مرتبط بوقف العدوان فى قطاع غزة والضفة الغربية وبطبيعة الحال فى لبنان.

وأشار وزير الخارجية والهجرة ثالثا إلى وجود مشكلة حقيقية تتمثل فى غياب الحوكمة والديمقراطية فى النظام الدولى فى قمة بنيتها الأساسية الممثلة فى مجلس الأمن الذى لا يشهد تمثيلاً عادلاً للقارة الإفريقية ودول الجنوب، وهو ما ينطبق أيضاً على النظام المالى العالمى ممثلا فى مؤسسات «بريتون وودز» التى نشأت من رحم الحرب العالمية الثانية، ونتج عنها مؤسستا البنك والصندوق الدوليان، موضحا حتمية إصلاح النظام الدولى بصورة تجعله أكثر ديمقراطية وعدالة وتمثيلا للدول النامية.

 

ونوه بأنه على الرغم مما شهده مؤتمر المناخ بشرم الشيخ COP27 من نقاشات حول التحول الأخضر العادل، بمعنى اتاحة التمويل للدول النامية للتخارج من الوقود الأحفوري، إلا أنه ما زال هناك صعوبة كبيرة فى إتاحة التمويل الميسر للدول النامية، كما تغيب آليات التعامل مع قضية الديون الخارجية للدول متوسطة الدخل.

وأكد رابعاً أن مصر تتعاون وتنسق مع الدول النامية ومع دول الجنوب والدول متوسطة القوة، وأشار إلى أن مصر تعمل على أن تكون صوتاً للجنوب العالمى والدول النامية، فى ظل ما يشكله هذا التكتل من مرتكز للدفع بالأجندة التنموية المصرية التى تتقاطع مع أجندة الجنوب العالمي، وهو ما ينطبق على المشاركة فى تجمع «بريكس»، ودعوتها للمشاركة فى قمة العشرين فى ريو دى جانير وللمرة الثالثة على التوالي. وشدد على أن الأولويات المصرية فى البريكس هى أولويات وأجندة اقتصادية بالأساس، مشيراً لمعارضة مصر أى سياسات تتعلق بالاستقطاب، لأن مصر كانت فى طليعة الدول التى أسست حركة عدم الانحياز. ومن ثم، فإنها ترى «بريكس» تجمعا اقتصاديا يوفر المساحة لخلق الشراكات، والتوسع فى استخدام العملات الوطنية فى المعاملات التجارية، والحصول على قروض وتمويل ميسر دون مشروطية.

وأشار إلى أن القمة الأخيرة للبريكس مثلت أول قمة منذ انضمام مصر رسميا للتجمع مطلع العام الحالى بمشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأن أجندة مصر تمثل الدول النامية من أجل إصلاح البنية المالية العالمية، وجعلها أكثر ديمقراطية وتمثيلا وانفتاحاً على مناقشة الديون العالمية. وشدد د. عبد العاطى على أن مصر غير معنية بأى حالة من حالات الاستقطاب، ونجحت فى اقامة شراكات اقتصادية مع كافة الأطراف، ولديها شراكة إستراتيجية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والصين وروسيا الاتحادية وجنوب إفريقيا والهند والبرازيل، وشدد على أن الدولة المصرية لن تتردد فى المضى قدما تجاه كل ما يخدم المصلحة الوطنية، وهو ما تعكسه استقلالية القرار المصرى ومرونة حركته للتكيف مع المتغيرات وأن البوصلة التى تحكم توجهاتنا الخارجية تتمثل فى احترام مبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة وتحقيق المصلحة الوطنية المصرية .

وأشار عبدالعاطى خامسا، إلى أن الدولة المصرية واعية تماما لكل ما يتم التخطيط له، ولكل السيناريوهات المحتملة لمستقبل المنطقة، مشدداً على قوة الجيش المصرى وقدرته على حفظ حدود الوطن. أما على المستوى الإقليمي، فقد أكد تنسيق مصر مع الشركاء والأشقاء العرب بما فى ذلك السعودية وقطر والأردن والإمارات والبناء على القواسم المشتركة.

وسادسا، أكد وزير الخارجية أن السياسة الخارجية تعد امتدادا للسياسة الداخلية وأن هناك حرصا شديدا على الاستجابة لأولويات المواطن المصري، وذلك فيما يتعلق بالتنمية وجذب الاستثمارات، وفتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية، موضحاً التأثير شديد الصعوبة للأزمات الإقليمية والدولية المتوالية، والتى تجسدت فى جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، والحرب فى غزة ولبنان، والوضع فى البحر الأحمر، وهو ما يفرض تحديات شديدة الخطورة على الأمن القومى والاقتصاد المصري.

 

واختتم وزير الخارجية مداخلته بالإشارة إلى أن استشراف المستقبل يتسم بالصعوبة فى ظل حالة السيولة الحالية وعدم اليقين وأن غالبية الأزمات الحالية فى المنطقة هى أزمات ممتدة أى ستبقى قائمة لبعض الوقت، مشدداً على أهمية تحسين وتدعيم الجبهة الداخلية والحفاظ على مقدرات الوطن، وبناء قدر من التفاهمات بين الدول الصديقة والشقيقة، لافتاً إلى أن مصر عليها مسئولية تمثيل الوسطية والاعتدال فى مواجهة الأطروحات المتطرفة التى تدفع بها بعض الدول الإقليمية وتؤدى بطبيعة الحال لزعزعة الأمن والاستقرار الإقليمى بل والعالمي.

 

مياه النيل

وردا على سؤال للدكتور أسامة الغزالى حرب حول قضية مياه النيل والقلق المترتب على ذلك، بالإضافة إلى أمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي، أكد عبد العاطى أن الدولة المصرية لديها مؤسسات قوية، وأن مصر دولة عريقة قادرة على أن تحمى مصالحها، خاصة إذا كانت مصالح وجودية، مشدداً على رفض مصر السياسات الاحادية الإثيوبية فيما يتعلق بالسد الإثيوبي، وإصرارها على ضرورة إقرار التوافق بين دول حوض النيل، مشيراً إلى أنه على الرغم من انخراط مصر فى مفاوضات مضنية على مدى 13 عاماً مع الجانب الإثيوبي، إلا أنها لم تفض لنتيجة بسبب غياب الإرادة السياسية لدى إثيوبيا، وشدد الوزير على أن مصر أكدت مرارا وتكرارا أنها ستدافع عن مصالحها وحقوقها المائية وفقا لما يكفله لها القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة وذلك فى حالة حدوث ضرر لهذه المصالح والحقوق، وانها قادرة على ذلك ومؤكدا أنه لا يمكن الاستمرار فى التفاوض إلى الأبد دون أى نتائج ملموسة. وفيما يتعلق بالقرن الإفريقى أوضح الوزير أن مصر تعمل على تعزيز علاقاتها مع دول القرن الإفريقى المطلة على البحر الأحمر، حيث تتحرك بشكل منهجي، مشيرا إلى أن الزيارة الأخيرة للرئيس عبدالفتاح السيسى لإريتريا تعد زيارة تاريخية، لأنها أول زيارة لرئيس مصرى لأسمرة، وأوضح أن التعاون المصرى مع الصومال مكثف، سواء من حيث المشاركة فى بعثة الاتحاد الأفريقى الجديدة أو تقديم التدريب والدعم للأشقاء فى الصومال وتقديم الدعم إلى الحكومة الشرعية لمحاربة الارهاب والحفاظ على سيادة ووحدة وسلامة أراضيه وهو ما يعكس الدعم الكامل للدولة الصومالية.ونوه وزير الخارجية بأهمية كل من الصومال وإريتريا، حيث يطل كلاهما على مضيق باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر وهو ما يرتبط بالأمن القومى فى قناة السويس وحرية الملاحة. كما شدد على الرفض الكامل لمذكرة التفاهم غير الشرعية التى وقعتها إثيوبيا مع اقليم صومالى لاند الانفصالي.

 

الشرق الأوسط الجديد

عقب ذلك أوضح الدكتور على الدين هلال أننا نعيش مرحلة مفصلية على مستوى الإقليم والعالم، فعلى المستوى الإقليمى لابد من طرح سؤال حول دور مصر فى سياق حالة السيولة الحالية، مبينا أن إسرائيل تسعى لتغيير الشرق الأوسط، وأضاف أنه قرأ خطاب نيتانياهو فى الأمم المتحدة، وخطابه الأخير فى الكونجرس، وعشرات التصريحات وكلها تشير لوجود نية واضحة لتغيير التوازنات الاستراتيجية، متسائلاً عن موقف مصر من مسعى نيتانياهو، والذى يرتكز على تصفية القضية الفلسطينية وتكثيف الاستيطان، وهو تصور كتبه منذ عام 1993 ولديه فكر واضح بدولة واحدة وقومية واحدة هى القومية اليهودية، ويؤكد أنه ليس لديه مكان للقومية الفلسطينية. وأعرب على الدين هلال عن اعتقاده بوجود مصلحة مشتركة الآن بين مصر وتركيا وإيران.

وفى معرض إجابته على هذه التساؤلات، قال وزير الخارجية إنه لا يمكن الاستغناء عن الدور المصرى فى أى محاولة لتشكيل المنطقة، فهى دولة محورية عريقة قادرة على أن يكون لها صوت مسموع فى أية ترتيبات، وشدد على أن مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية، موضحاً أن العلاقات مع تركيا فى تحسن مستمر، وأن زيارة الرئيس السيسى لأنقرة تعد تاريخية، وأن هناك مساحة كبيرة للتشارك والتعاون بين الجانبين.

كما أوضح د. عبدالعاطى أن هناك اتصالات مع إيران بالفعل، فهى دولة إقليمية كبيرة وصاحبة حضارة ولا يمكن تجاهلها، وأن هذه الاتصالات مهمة للطرفين رغم عدم وجود تطابق فى الرؤى حيال بعض القضايا الإقليمية. وأكد الوزير الرفض الكامل لسياسات التوسع والهيمنة وغطرسة القوة التى لن تحقق الأمن لإسرائيل وأن دروس التاريخ تؤكد ذلك.

من جانبه قال الدكتور مصطفى الفقى إن مصر دولة عربية الثقافة ولكن لها خصوصية متفردة ووضع خاص فى العالم الإسلامى مشيرا الى مكانة الأزهر، وقال إنه مع نهاية القرن الـ 19 وبداية الـ 20 كان هناك مشروعان رئيسيان، هما مشروع «هيرتزل» ومشروع «حسن البنا»، وهناك صدام بين المشروعين، وقال إن عبد الناصر هو الذى نقل مصر من العروبة الثقافية الى العروبة السياسية، مشيرا إلى أنه لا يوجد حاليا نظام إقليمى عربى والدولة الوطنية غائبة، ولذلك لابد من حدوث تغيرات جذرية فى ظل وجود الثوابت، وأوضح أن إيران رقم صعب فى المعادلة، وهى دولة لها أجندة خاصة وتبحث عن الدور الإقليمى وتنفيذ هذا الدور بالأيدى العربية، والقضية الفلسطينية هى قميص عثمان الذى يرتديه الجميع.

وحول هذه الاطروحات، قال عبد العاطى إن الأمن والاستقرار الإقليمى لن يتحققا فى ظل عدم وجود حل عادل للقضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن الخصوصية المتفردة لمصر تشكل بعداً مهماً يمنحها هامش حركة إضافيا يضاف إلى أبعادها العربية والإسلامية،فمصر دولة ضاربة فى جذور التاريخ، وتأثيرها الحضارى والثقافى يصل إلى كافة ربوع المنطقة، مشدداً على ما اثبتته حقائق التاريخ والجغرافيا من أن أى مشروع سياسى فى المنطقة لن يكتب له النجاح والاستدامة دون دعم مصر أو عدم تعارضه مع مصالحها المباشرة.

 

السيناريو الأسوأ

من جانبها قالت الدكتورة هالة مصطفى إن السيناريو الأسوأ الذى تعيشه المنطقة حاليا، هو تغيير توازنات القوة فى الشرق الأوسط، وإن الحرب الحالية هى حرب إسرائيلية ــ إيرانية. وقالت إن إسرائيل أعلنت أن هدفها هو القضاء على حماس أو تفكيك بنيتها الأساسية، ونفس الشيء يتكرر فى لبنان مع حزب الله. ومن وجهة نظرها فإن المواجهة بين إيران من جهة وإسرائيل والغرب من جهة أخرى، وأن الولايات المتحدة طرف مباشر فى هذه الحرب. ولذلك، فالعمل الدبلوماسى سيكون شديد الصعوبة، كما لا يمكن التعويل على مجلس الأمن. وأضافت أن إسرائيل تخلت عن إستراتيجية الحرب القصيرة، وأن الفترة القادمة ستفرض اتخاذ موقف واضح فى هذا الشأن.

وتعقيباً على هذه النقاط، قال عبدالعاطى إن مصر تتعاطى مع كافة السيناريوهات، وأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلى سيظل موجودا طالما استمرت الظروف التى أوجدته فى الماضي، وهو استمرار الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية والعربية، وشدد على أن مصر دولة محورية ورئيسية ولديها وجهة نظر ومصالح وتستطيع بإرادتها وقوتها أن يكون صوتها مسموعاً. كما حرص وزير الخارجية على إعادة التأكيد على أن المخرج الحقيقى من المأزق الإقليمى الذى تشهده المنطقة يتمثل فى التوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية، بما يسهم فى استعادة الاستقرار الحقيقى المفقود فى الشرق الأوسط منذ عشرات السنين، والبدء فى الخطوات الحقيقية نحو تعايش سلمى حقيقى يفتح الباب أمام الازدهار المتبادل بما توفره وتزخر به المنطقة من إمكانيات وقدرات واعدة.

 

موقف دولى هجين

ومن جانبه قال د بهجت قرنى إننا فى موقف دولى معقد وهجين وهناك هيمنة أمريكية ونظام متعدد الأقطاب خلق نوعا من عدم اليقين، وهو ما أدى بدوره لحالة من العجز عن الإجابة على الأسئلة المطروحة، وقال إن المبادئ المحددة سقطت، حيث انتهى مفهوم عدم الانحياز وتم استبداله بمفهوم تعدد الانحيازات، وأشار لسقوط مبدأ مقدس ثان هو السياسات العليا والمقصود بها الحرب والسلام والسياسات الدنيا والمقصود بها النواحى الثقافية والاقتصادية، فالسد الإثيوبى وقضية المياه على سبيل المثال أصبحا سياسة عليا، ما يعكس حالة الهجين الموجودة فى النظام الدولي. وتناول أولوية وجود مرونة فى الحركة، وأن المبادئ أصبحت مجرد إرشادات، وقال إن النجاح فى المنظومة الدولية يتطلب تحديد الأولويات، وتساءل عن أولويات وزارة الخارجية المصرية، وهل هناك معدل زمنى لتغييرها تفاديا للوقوع فى فخ التناقضات، الأمر الذى سيؤثر على مصداقيتها.

بدوره أجاب عبدالعاطى بالتشديد على وجود مرونة فى التحرك الدبلوماسى المصري، وأن هناك ثوابت لا تحيد أو تختلف بتغير البيئة الإقليمية أو الدولية، مثل احترام القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول واحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، وأن مصر تواصل فى هذا الإطار الدفاع عن مصالحها بكل قوة وإصرار. وتابع حديثه بالإشارة إلى أن أهم أولويات السياسة الخارجية المصرية هى الدفاع عن المصلحة الوطنية وحماية حدود الدولة، مشدداً على أن مصر تعد من الدول القلائل التى تتصرف بحكمة وشرف، حيث تمتلك تقاليد راسخة فى السياسة الخارجية، ولديها اتساق فى المواقف واحترام لمبادئها والتزاماتها الدولية، كما تتضمن أولويات السياسة الخارجية السعى لدعم الاقتصاد الوطنى عبر الانخراط النشط فى الجهود الدبلوماسية الاقتصادية، وجذب الاستثمار الأجنبى المباشر، وتعزيز معدلات التبادل التجارى مع مختلف الشركاء، بالإضافة إلى دعم الخطط التنموية الوطنية.

وهنا تناول الدكتور جمال عبدالجواد أهمية فاعلية السياسة الخارجية فى ظل ما تشهده المنطقة من تحديات، متسائلاً عن مساحات المرونة الإستراتيجية المصرية، وتوجهات الدبلوماسية المصرية والرسائل التى ترغب فى إيصالها للخارج، وما إذا كانت هناك ضرورة فى ظل مناخ الاستقطاب أن نعيد تعريف علاقاتنا مع الشركاء.

وردا على ذلك، أوضح وزير الخارجية أن الظروف الدولية والإقليمية المحيطة تحتاج بطبيعة الحال لمزيج من المرونة والتفكير العميق، مشيراً إلى أن الأولوية تبقى للحفاظ والدفاع على المصلحة الوطنية والامن القومي، مشيراً لاختلاف الرسائل المصرية باختلاف الشركاء والنطاق الجغرافي، وأن هناك تنوعاً لأولويات الدبلوماسية المصرية وفقاً للزمان والمكان، فالسفارات فى الدول الآسيوية، لديها أولويات اقتصادية، وفى إفريقيا نهتم بتعزيز العلاقات مع الأشقاء الأفارقة فى كافة المجالات وخاصة فيما يتعلق بحفظ وبناء السلم والأمن خاصة فى مناطق ما بعد النزاعات وتعزيز الربط بين السلم والأمن والتنمية، وفى دول أمريكا اللاتينية فإن الأولوية الأهم تتمثل فى استكشاف فرص التجارة والسياحة وتبادل الدعم فى المحافل الدولية.

كما حرص وزير الخارجية على الإشارة إلى أن مصر تحرص فى تواصلها مع العالم الخارجى على التأكيد على أهمية النأى عن ازدواجية المعايير وتطويع القيم الإنسانية لأهداف سياسية، معرباً عن أسفه لفشل المجتمع الدولى فى اختبار حقوق الانسان مع سقوط أكثر من 150 ألف شهيد ومصاب فى غزة دون تحرك دولى فاعل لوقف هذه المآسي. كما أكد الأولوية التى تمثلها دول الجوار المباشر لمصر، ضارباً المثل بقضية اللاجئين السودانيين فى مصر، ومشدداً على كونهم أشقاء لابد من التعامل معهم بأكبر قدر من الاحترام والكرم، لحين تمكنهم من العودة لبلادهم مع استعادة استقرارها، وهو الأمر الذى تضطلع فيه الدبلوماسية المصرية بجهد كبير.

 

الاتزان الاستراتيجى

ومن جانبه أشاد الدكتور أحمد يوسف أحمد بتوجهات السياسة الخارجية المصرية دولياً وفكرة الاتزان الاستراتيجي، مبديا ملاحظتين أساسيتين، الأولى أن الأصل فيما يحدث حاليا فى المنطقة هو الاحتلال الإسرائيلى باعتباره سبب كل المشكلات وما تلا ذلك هو تداعيات، وأضاف أن الذى اعطى لإيران الفرصة هو الصمت العربي، وتناول ما يتعلق بمحور صلاح الدين، مشيرا إلى أنه لا يتحدث عن انتهاك معاهدة السلام، ولكن عن الخطوات الدبلوماسية، وعن الحاجة لإجراء مراجعات لابد أن تهتم الدبلوماسية بها، وأشار إلى أنه من الضرورى أن تعيد مصر النظر فى طبيعة العلاقات مع إسرائيل، لأن إسرائيل جار سيئ وله أطماع إقليمية.

وحول الرؤى التى طرحها الدكتور أحمد يوسف، أكد الوزير عبد العاطى أن الممارسات الإسرائيلية تؤجج من الوضع المتدهور فى المنطقة، مشدداً على أن مصر حذرت مراراً من تأثير تلك الممارسات على فرص السلام فى المنطقة، مشدداً على أن استعادة الاستقرار والأمن لكافة الأطراف الإقليمية غير ممكنة بدون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وبما يسهم فى احتواء الفكر المتطرف، وتدعيم فرص التعايش السلمي. كما حرص وزير الخارجية على التأكيد على أن الاستمرار فى اللجوء للقوة الخشنة فى سلب الحقوق وإخضاع الشعوب لن يؤدى إلى تطويعها كما يتوهم بعض القادة السياسيين، وإنما سيزيد من معدلات التطرف ويغلق نافذة الحل السلمى التى بادرت مصر بفتحها منذ سبعينيات القرن الماضي، ويحول النزاع مرة أخرى لصراع صفرى يستنزف موارد وقدرات المنطقة بالكامل. وجدد الوزير التأكيد على أن اوهام وغطرسة القوة لن تحقق الامن والاستقرار لإسرائيل.

من جانبه تحدث الدكتور سمير مرقص عن حدوث تغيرات حقيقية على الأرض، وقال إنه مع تقديره للجهد المصرى المبذول، فإن إسرائيل لم تعد مجرد شريك للولايات المتحدة ولكنها أصبحت تتصرف باعتبارها قوة إقليمية عظمى فى المنطقة، وهناك صراعات كثيرة تم تأجيجها فى المنطقة. وقال إن مصر تستطيع أن تقدم نموذجا ثقافيا مركبا وتعددياويتجاوز التصنيف التقليدي.

ورداً على ذلك أعاد وزير الخارجية التأكيد على دور مصر الداعم والمساند لاستعادة الأمن والاستقرار فى المنطقة، مشدداً على أنه لا سلام ولا أمن ولا استقرار مستدام بدون حل عادل للقضية الفلسطينية التى لن ينجح أى طرف فى تصفيتها، معيداً التأكيد على رفض مصر القاطع لأى محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية. وشدد الوزير عبد العاطى على دور القوة الناعمة كأحد أهم أدوات السياسة الخارجية المصرية، خاصة فى ضوء المخزون الحضارى والتاريخى والثقافى الذى تتمتع به مصر بما يؤهلها لطرح مشروع اقليمى يرتكز الى الاعتدال والوسطية وبعيد عن التطرف والتشدد وبما يعكس قدرة أكبر على التأثير فى المحيط الاقليمى دون اللجوء للضرورة القوة الخشنة.

 

الدور التاريخى فى إفريقيا

أما الكاتبة الصحفية أمينة شفيق، فقد تناولت الدور التاريخى لمصر فى إفريقيا وأعربت عن اعتزازها بكون مصر وطناً متماسكاً بمؤسساته ورئاسته، وقالت إن ما حدث فى غزة أوقف قطار التطبيع وهو أمر أسعدها ولكن ما يحدث فى غزة يدمى قلوب كل مصري.

وحول هذه النقاط أكد وزير الخارجية أن إفريقيا هى مستقبل الاقتصاد المصري، وهى المكان الذى تستطيع فيه المنتجات والصادرات المصرية المنافسة، وقال إن إفريقيا الآن تغيرت، فالأجيال الجديدة فى إفريقيا تحتاج للتعرف بشكل أكبر على مصر، وأن التعامل مع إفريقيا قائم حاليا على أساس الشراكة وخلق مصالح على الأرض، وأضاف أن التأثير سيزيد من خلال خلق مصالح مشتركة، ونوه لضرورة البناء على الرصيد التاريخى الحافل الذي تتمتع به مصر بين الدول الأفريقية.

وأضاف أن مصر تطرح نفسها حاليا كنموذج جديد للتنمية فى أفريقيا من خلال ما تقدمه من دعم لعملية التحديث والتنمية فى قارة إفريقيا، مشيرا فى هذا الصدد إلى مساهمة مصر فى بناء سد «جوليوس نيريرى» وهو مشروع عظيم وغير مسبوق فى تنزانيا تم تنفيذه بخبرة مصرية وبمهندسين مصريين، ومدرسة تدريب مهنى لتدريب العمالة التنزانية. كما أشار الى انشاء الوكالة المصرية لضمان الصادرات والاستثمارات فى أفريقيا وإنشاء آلية جديدة لتمويل المشروعات التنموية والمائية فى حوض النيل، فضلا عن دور الوكالة المصرية للشراكة من اجل التنمية.

ومن جانبه، قال الدكتور أحمد زايد إن إسرائيل طورت أهداف الحرب لكى تسكت المنطقة بأكملها، وستكون هناك مشكلة فى التعامل مع إسرائيل فى المستقبل، خاصة فى ظل حالة الصلف والغرور التى تعتريها حاليا، وتحدث عن ضبط الحدود. وأضاف أن النظام الدولى الحالى يشهد حالات من التمرد والتخارج عليه، مثل بعض دول غرب إفريقيا التى أعلنت خروجها على الهيمنة الفرنسية. وأشاد بعودة ملف شئون المصريين بالخارج لوزارة الخارجية، وقال إن المصريين موجودون فى مختلف دول العالم ونحتاج فى المستقبل للكفاءات المصرية، ولابد من تشجيع الكفاءات المصرية للعودة مرة أخرى وتشجيع الابتكار والابداع، وأن نحاول أن نستقدمهم للعمل فى مصر، كى يكونوا نواة لعمليات التصنيع التكنولوجى والابتكار.

وحول هذه النقاط أشار عبدالعاطى إلى ضرورة وأهمية الاستفادة من العمالة المصرية والكوادر والخبراء المصريين الموجودين فى الخارج، مشيراً إلى حرصه بصورة شخصية على الالتقاء بممثلى الجاليات المصرية فى الخارج فى كافة الزيارات الخارجية التى يضطلع بها، وذلك من أجل الاستماع إلى مقترحاتهم والتعرف على مشكلاتهم وكيفية العمل على دعمهم فى الدول التى يوجدون بها، حيث شدد على ما تمثله الجاليات المصرية فى الخارج من ذخيرة وطنية تسهم فى دعم القوة الناعمة المصرية، وتعزز من الصورة الذهنية لمصر لدى الخارج، ويتم الاستفادة من خبراتهم المتراكمة، بما ينعكس إيجابياً على معدلات التدفق السياحى والاستثمارى لمصر.

 

د. جمال عبدالجواد
هنا، تحدث الدكتور أيمن السيد عبدالوهاب عن تقوية مرتكزات السياسة الخارجية المصرية، وأشار إلى مجموعة من الإجراءات ومن أهمها المكون الثقافى فى علاقتنا بالقارة الإفريقية. وقال إن الحديث عن الدولة الوطنية خطاب مهم فى القارة، وأن نموذج التعامل مع الصومال مهم ولابد أن يتكرر فى الدول الإفريقية، وأن وجودنا على الأرض فى إفريقيا هو الذى سيعطى الثقل الحقيقى لمصر. وأعرب عن سعادته بقرار رئيس الوزراء مضاعفة ميزانية الوكالة المصرية للتنمية.

وردا على ذلك قال عبد العاطى إن البحر الأحمر ومنطقة الساحل والقرن الإفريقى تمثل أولويات للسياسة الخارجية المصرية، وأضاف أن مصر لا تركز حالياً على المشروعات الكبيرة، ولكن تتجه للأساليب الجديدة ضارباً المثل بوجود مناطق مغمورة بالمياه طوال العام، في «سيراليون» و«نيجيريا»، حيث يمكن زراعة المحاصيل التى تستهلك المياه مثل الذرة والقمح وفول الصويا، وبحيث يتم اقتسام المحاصيل، وبالتالى يستفيد الطرفان، موضحاًأن أهم أوجه القوة الناعمة لمصر بالإضافة إلى القطاع الخاص والاستثمارات هي، القوافل الطبية، وهناك حجم هائل لتأثيرها.

وأشار إلى أن هناك قوتين لا يستهان بهما لمصر فى إفريقيا وهما القطاع الصحى والقطاع الدوائي، وقال إن هناك طلبا شديداعلى الدواء المصرى بسبب فاعليته ورخص سعره، وأوضح أن القطاع الخاص ينخرط حاليا فى هذا المجال، وتم توقيع 15 اتفاقية تسجيل للدواء حتى الآن لتيسير عمليات التصدير للدول الإفريقية.

أما الدكتور محمد كمال فوصف حديث وزير الخارجية بأنه حديث صادق ومن القلب ويجسد بلورة مدرسة دبلوماسية جديدة فى الأسلوب والمفردات، تخلق رابطا مع الرأى العام وقائمة على المصداقية. وأشار لإيمانه بوجود هدف اقتصادى للسياسة الخارجية، وحول وجود مشروع لليمين الإسرائيلى المتطرف، قال إن كل الدول لديها مشروعات، والعبرة فى النهاية بالتنفيذ على الأرض. مشيرا إلى أن التحدى الكبير أمام الدولة هو وجود أفكار قابلة للتطبيق، وأضاف ان التحدى الذى يواجه الدولة المصرية هو إيجاد أفكار قابلة للتطبيق وليس بالضرورة مشاريع كبيرة، وتساءل هل هناك أفكار يمكن طرحها عمن سيدير قطاع غزة فى المرحلة القادمة.

 

د. بهجت قرنى
وحول اليوم التالى للحرب، أشار عبد العاطى لضرورة وجود أفكار قابلة للتطبيق، وقال إن الظروف ضاغطة ومعقدة، إلا أن مصر تدعم التمكين الكامل للسلطة الفلسطينية من إدارة القطاع، وأشار الى اهمية بناء تفاهم بين حركتى فتح وحماس لخلق آلية لإدارة الأمور الحياتية فى القطاع بشكل مؤقت تحت الإشراف الكامل للسلطة الفلسطينية ممثلة فى لجنة الإسناد المجتمعى المقترحة.

وأشار الوزير الى الوضع الكارثى الإنسانى فى القطاع الذى يحتم سرعة وقف إطلاق النار ونفاذ المساعدات بشكل كامل وغير مشروط، لافتاً النظر إلى أنه بعدما كانت فلسطين تسبق دولا عديدة فى المنطقة فى القضاء على شلل الأطفال، فقد عاد شلل الأطفال بقوة الآن فى شمال القطاع نتيجة للعدوان والحصار الاسرائيلى على القطاع، ولا توجد إمكانية لتطعيم الأطفال فى شمال غزة، ومن المقرر أن تستضيف مصر قريبا مؤتمرا حول المساعدات الإنسانية والطبية لغزة، وأوضح أنه إذا تحقق وقف لإطلاق النار فلابد من دخول حوالى 1000 شاحنة على الأقل يوميا لإغاثة غزة لأن الوضع شديد السوء.

Exit mobile version