ضل التاية – بروفيسور ابراهيم محمد ادم – قراءة في كتاب الدكتور عبد الرحمن الخضر – الابل خلق الله المعجز

في اطار اهتمامه بحركة البحث والنشر دشن مركز التكامل السوداني المصري بالقاهرة كتاب الدكتور عبد الرحمن الخضر (الابل خلق الله المعجز) وكالعادة لم يكتف الدكتور الخضر بالسكون في السجن والتأمل في ملكوت السموات والأرض بل ألف لنا الكتاب الثاني هذا، وكما علمت فان كتابه الثالث عن تفسير سورة البقرة قيد الإعداد، تم التدشين بتشريف الدكتور عادل عبد العزيز الفكي رئيس مجلس إدارة المركز والدكتور عبد الله محمد عثمان مدير المركز وأدار النقاش دكتور علي محجوب عضو مجلس إدارة المركز وتلك سانحة نادرة أن توفرت للعلماء فرصاً للكتابة، فاساتذة الجامعات مثلا نراهم اليوم مع ضيق ذات اليد وعسر الحال، لا يجدون وقتاً للكتابة ولا مالاً للنشر فنسأل الله أن يتبدل الحال .
استعرض البروفيسور الكتاب الطاهر هارون استاذ البيطرة بجامعة الخرطوم ورئيس المجلس البيطري ورئيس اتحاد البياطرة الأسبق الذي أبان أنه جاء في خمسة فصول تناول الأول فيها الإبل في وجدان وحياة العالم الاسلامي والعربي والسوداني وفي الفصل الثاني احتفاء العرب بالإبل ودورها في التجارة والجيوش والدوائر الحكومية، وفي الثالث تحدث عن الإعجاز في خلق الإبل، والرابع تناول منتجاتها واهميتها الاقتصادية، وفي الفصل الخامس تحدث عن آفاق المستقبل والرؤية القومية القابلة للتنفيذ للاستفادة منها وتربيتها والاستثمار فيها لتصنيع اللحوم والألبان والجلود والوبر مما يساهم كثيراً في النهوض بالاقتصاد السوداني،ثم تحدث بعدها عن مزايا الابل بصفة عامة وتحسين البيئة ، ثم طوف بروف الطاهر على واقع البحث والنشر العلمي وان الاولوية لدى العلماء حالياً هي توفير لقمة العيش الكريم في زمان أصبح الراتب لا يكفي لفاتورة الكهرباء.
شارك في النقاش الدكتور آدم الحاج دروسه المتخصص في قطاع الإبل في رسالته للماجستير والدكتوراة وأول رئيس لاتحاد الرعاة وأول رئيس لسباق الهجن وقد نشر العديد من الابحاث في هذا المجال واشهرها كتابه ( الإبل والإبالة ) ، وهو كذلك ناشط في مجال العمل الطوعي من خلال مركز اجواد للتصالح وفض النزاعات، كما تحدث تحدث عن المخاطر التي تلاقيها تربية الإبل في السودان وتناقص أعدادها بصورة سنوية نتيجة لزحف المشاريع الزراعية على حساب المراعي الطبيعية وعدم توفير مراعي بديلة حديثة مما جعل المراعي تظل كما هي منذ أن فطر الله الخليقة وأن الأرقام الصادرة عن الجهات الحكومية معظمها غير حقيقية وأوضح أنه في كتابه (الابل والابالة). قد شرح الكثير من تلك المشكلات التي اوصلها للسلطات المختصة بمن في ذلك رئيس الجمهورية السابق.
وللإبل أهمية خاصة في حياة البشر ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً فهي مصدر غذائي مهم للحليب واللحوم وأثاث ومتاع في الجلود لذلك دعا الله للتفكر في خلقها وربط ذلك بالتأمل في خلق السموات والأرض والجبال ومعجزاتها كما جاء في سورة الغاشية : (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر (الغاشية: 17: 22 ) وهي ضمن الأنعام التي جاء فيها ( ﴿وَٱلۡأَنۡعَـٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِیهَا دِفۡءࣱ وَمَنَـٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ ۝٥ وَلَكُمۡ فِیهَا جَمَالٌ حِینَ تُرِیحُونَ وَحِینَ تَسۡرَحُونَ ۝٦ وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَكُمۡ إِلَىٰ بَلَدࣲ لَّمۡ تَكُونُوا۟ بَـٰلِغِیهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ ۝٧﴾ وقد جاء ذكر ناقة صالح او ناقة ثمود في مواضع كثيرة في القرآن الكريم ومنها في سورة الشمس (فَقَالَ لَهُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقۡيَٰهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمۡدَمَ عَلَيۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ فَسَوَّىٰهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقۡبَٰهَا (15) .
اما في حياتنا الخاصة فتدخل في كل تفاصيلها بل تشاركنا حتى همومنا ومشاعرنا فالجمل يتعاطف مع صاحبه حين يشعر بالخطر فيفرد اذنيه لتحسس الخطر من بعيد، بل ويحن كثيراً الى المناطق التي زارها كما يحن المسافر حيث قال البحتري 🙁 حنت قلوصي بالعراق وشاقها … في ناجر برد الشأم وريفه ومدافع الساجور حيث تقابلت … في ضفتيه تلاعه وكهوفه )، والجمال أيضا تتدافع نحو بعضها في حالة الخطر، وتدخل في العديد من المقولات والامثلة ففي التوكل كما جاء في الحديث النبوي ( أعقلها وتوكل ) وفي أخذ الأسباب والإحتياط (ما هكذا تورد الابل) ، ولمن يأتون جميعاً ( جاءوا عن بكرة أبيهم) وفي المقدار نقول (كيل بعير) او في الخفة (أخف من حمل بعير) وعند عدم الاختصاص نقول (لا ناقة لنا ولا جمل في الموضوع)، وفي الصبر نقول ان هذا الشخص (مثل الجمل) أو للتغاضي ( الكلب ينبح والجمل ماشي) أو للتحمل حين نقول للإبن ( جمل شيلي )، وفي صغر الاشياء (عقال بعير) بل ولها تأثيرها حتى على كلمات المديح النبوي كما يقول شيخنا البرعي ( ابلي المشرفات وسمهن فاخر ، ينفعني درهن في اليوم الاخر )وعلى الوجدان والموسيقى ففي مناطق شمال كردفان ودار فور مثلا نجد الايقاع الموسيقي يحاكي سير الجمل كما تحاكي رقصة المردوم مشي الثور في جنوب كردفان.

Exit mobile version