دكتور عبدالرحمن الهادي احمد ….
~~~~~~~~~~~~~~~~
المقدمة:
يعد التعليم أحد الحاجات الاساسية للإنسان والمجتمع معا. فعن طريق التعليم تتحقق التنمية، ويتحسن معاش الناس، ويحل الأمن، ويعم الرفاه. لذا فإن خدمة التعليم تعد من أكثر الخدمات التي تتأثر تأثراً مباشراً بالظروف التي تحيط بكل مجتمع، إيجاباً أو سلباً، تقدماً أو تأخراً، استقرارا وأمناً أو خوفاً وجزعاً.
وكما هو معلوم أن البلاد تعيش هذه الأيام ظروفاً استثتائية، ظروف حرب واقتتال، ونزوح وعدم استقرار منذ منتصف أبريل 2023، وما قبلها.
هذه الظروف فرضت واقعا جديدا معقداً خصوصاً على الأطفال والتلاميذ والطلاب وأسرهم، وأصيبت الحياة العامة بشلل تام وجمود، وتوقفت العديد من الخدمات، وعلى رأسها التعليم.
لكن، ومما يجب الإشارة إليه، أن هذه الظروف جاءت متزامنة مع نهاية العام الدراسي (2022- 2023)، ومع مواعيد الامتحانات النهائية سواء أكانت امتحانات النقل أم امتحانات الشهادة الابتدائية المؤهلة لدخول المرحلة المتوسطة، أم شهادة الثانوية العامة المؤهلة لدخول الجامعة (الشهادة السودانية).
وبسبب هذه الظروف، أصدرت وزارة التربية والتعليم في 9 أغسطس 2023 قرارا وزارياً استثنائيا بشأن امتحانات النقل، وامتحانات الشهادة الابتدائية تحت الرقم (45)، جاء فيه:
1- تُلغى امتحانات الشهادة الابتدائية في جميع الولايات التي تاثرت بالظروف التي مرت بالبلاد وينقل جميع التلاميذ بالصف السادس إلى المرحلة المتوسطة مباشرة.
2- تُلغى جميع امتحانات النقل النهائي بمراحل التعليم الثلاث (الابتدائي، المتوسط، الثانوي) في جميع الولايات المتأثرة بالحرب التي تمر بالبلاد ونقل التلاميذ والطلاب نقلا مباشرا للصفوف الأعلى.
في هذه المساحة نقدم قراءة تحليلية للقرار: دواعيه، مبرراته، قيمته الفنية والتربوية والنفسية والاقتصادية، بجانب تداعياته على فئات التلاميذ والطلاب وحالاتهم، وكذلك على النظام التعليمي ككل، سمعته، وسمعة شهاداته، مع تقديم بعض البدائل والمقترحات للمعالجات الفنية والعلمية.
لكن، وقبل الشروع في تحليل القرار نقدم خلفية مختصرة عن بنية النظام التعليمي في السودان وذلك لارتباط القرار بها فيما يتعلق بالصفوف و المراحل.
?️ بنية النظام التعليمي في السودان:
منذ نحو ثمان سنوات، يعمل التعليم العام في السودان بنظامين تعليميين؛ نظام ثنائي المراحل ويتكون من مرحلتين (مرحلة التعليم الأساسي ومرحلة التعليم الثانوي)، ومدته (11) عاماً مقسمة إلى (8+3) على التوالي.
وكان قد بدأ هذا النظام في العام 1995م تنفيذا لتوصيات مؤتمر التعليم 1990. أما النظام الثاني فهو النظام ثلاثي المراحل (الابتدائية والمتوسطة والثانوية)، ومدته (12) عاماً مقسمة إلى (6+3+3). وقد بدأ النظام الثلاثي في العام 2015 تنفيذا لتوصيات مؤتمر التعليم القومي 2012م.
يسير النظامان حتى الآن بالتتابع و الإحلال، وقد بلغ الإحلال هذا العام حتى الصف الثامن أساس الذي حل محله الصف الثاني المتوسط، بنسبة إحلال تساوي (73%)، وهذا يعني أن مرحلة التعليم الأساسي قد انتهت، لذا كانت هنالك فجوة خلال العام تتمثل في عدم وجود صف ثالث متوسط .
فيما تعد الصفوف (الأول والثاني والثالث الثانوي) الحالية آخر ثلاثة أفواج تعليمية في النظام (8+3)، لذا سيستمر الإحلال حتى العام الدراسي 2026 ليخرج النظام الثنائي كليا، ويحل محله النظام الثلاثي (6-3-3).
والفوج هو عبارة عن مجموعة من الأشخاص الذين يتشاركون تجربة أو سمة معينة مع مرور الوقت، وتسمى (الدفعة). وتستخدم فكرة الأفواج كطريقة لأغراض البحث العلمي، تتضمن أمثلة الأتراب، فعلى سبيل المثال، الفوج الولادي (مجموعة من الأشخاص الذين ولدوا في نفس الفترة الزمنية، مثل الجيل). والفوج التعليمي هو (مجموعة من التلاميذ او الطلاب الذين يبدؤون الدراسة أو برنامج تعليمي في نفس الوقت). وتستخدم فكرة الفوج في مجال التعليم كأداة بحث مهمة لدراسة التغيير التعليمي والأكاديمي والكمي للمجموعات مع مرور الوقت، كما تستخدم لقياس قوة الأنظمة التعليمية والمقارنة بينها ، بجانب فهم الآثار الطويلة الأجل للمناهج الدراسية.
فطلبة الصف الثالث الثانوي الحاليين. الذين يستعدون لجلوس امتحان الشهادة الثانوية العامة السودانية 2023 هم الفوج (28) في النظام (8+3). فيما يمثل طلبة الصف الثاني الثانوي الفوج (29). أما الفوج (30) والاخير فهم طلبة الصف الاول الثانوي. وسوف يجلس هذا الفوج الأخير لامتحان الشهادة السودانية في العام الدراسي 2025م كآخر فوج في النظام الثنائي الذي سيصبح عمره ثلاثين عاما (1995- 2025).
?️ عينة الدراسة:
بما أن القرار لم يسم الولايات التي تأثرت بالظروف الحالية، لذا سوف نتناول في هذه الورقة حالة ولاية الخرطوم كونها الأكثر تأثرا.
?️ دواعي القرار ومبرراته:
يعتبر القرار (45) قرارا استثنائيا، وأن دواعيه ومبرراته معلومة بالضرورة كما أشرنا سابقا. استثنائيا لانه جاء في ظروف غير طبيعية. واستثنائيا لان النقل التلقائي للتلاميذ والطلاب في التعليم بالسودان ليس هو الوضع الطبيعي، فالسودان لا يعمل بنظام التقويم المستمر إلا جزئيا في بعض الصفوف بالمراحل الدراسية الدنيا خلافا لما هو معمول به في بعض الأنظمة التعليمية بدول الجوار او الخليج او المنطقة من حولنا. واستثنائيا لانه جاء في ظل الظروف التي مر بها العام الدراسي نفسه منذ بدايته بسبب الإضرابات والتوقف المتكرر للدراسة الذي أصاب بنية التعليم التنظيمية والإدارية. واستثنائيا بدخول ولاية الخرطوم هذه المرة ضمن الولايات المتأثرة، فقد كانت ولاية الخرطوم تعد من أكثر الولايات جاذبية للطلاب وأسرهم فيما يتعلق بالتعليم، حيث الخدمة المتميزة، والمعلمون ذوي الخبرات العالية، والمدارس النموذجية المجهزة، والدروس الخاصة، والاستثمار في مجال التعليم. وكان قد هجر عدد كبير من أرباب الأسر خلال السنوات الأخيرة ولاياتهم الأصلية وجاءوا ليستقروا بالخرطوم من أجل تعليم أبنائهم حتى بلغ عدد الطلاب في ولاية الخرطوم (5) مليون طالباً وطالبة حسب بعض التصريحات الرسمية في 2018م، وهو ما كان ينذر بالخطر؛ حيث تضخم مؤشر “عدد الطلاب منسوباً إلى عدد السكان” في ولاية الخرطوم حتى اقترب من حاجز (40٪)، أي أن عدد الطلاب كاد أن يساوي نصف عدد سكان العاصمة الذين كان قد بلغ تعدادهم بين (15- 20) مليون نسمة تقريبا. وهذا في حد ذاته كان بمثابة إشارة حمراء توحي بوجود مشكلة في توزيع خدمة التعليم بين الولايات والمناطق لسنوات طويلة. هذا وقد أدى عدم التوازن في توزيع خدمة التعليم إلى تزايد معدلات الفاقد التعليمي (التربوي) في الأطراف، وشكّل احد أهم الأسباب التي أدت إلى الوضع الراهن، وأصبح الشباب بسبب ذلك المغذي الرئيس للحروب والنزاعات. كما أن هذا الكم الهائل من الأطفال والتلاميذ والطلاب وضع ولاية الخرطوم في قائمة المدن التي تخطت مؤشر الطلاب مقابل السكان، لأن متوسط المؤشر العالمي يساوي(25٪)، اي أن عدد الطلاب في الوضع المثالي يساوي تقريبا ربع عدد السكان، وبناء على هذا المؤشر العالمي فإن كثير من الدول تضع نسبة (25٪) من الدخل القومي للانفاق على التعليم، بينما لا يتجاوز المؤشر في السودان (6%) في أفضل حالاته؛ ويعد هو الأدنى والأضعف مقارنة ببعض الدول من حولنا. وما ينذر بالخطر الأكبر في المدى القريب والبعيد، أن (80٪) من هذا العدد (4 مليون تلميذ وطالب) أضحى الآن بين نازح ولاجئ ومهاجر ومشرد، لذا كان لا بد من مراعاة الظروف الحالية ووضع المعالجات المناسبة، وهو في تقديري ما دعا الوزارة لإصدار مثل هذا القرار الاستثنائي كحل لمشكلة أكبر. واتوقع أن تتبعه قرارات وسياسات علاجية أخرى تمنع خروج الاطفال والتلاميذ والطلاب من منظومة التعليم في سن مبكر.
?️ القيمة الفنية للقرار :
تكمن القيمة الفنية للقرار في أنه عالج قضية أساسية، هي إنقاذ العام الدراسي، بالرغم من أنه كان في خواتيمه، خصوصاً في ولاية الخرطوم. وتبقت قضية الشهادة السودانية التي لم يتناولها القرار لارتباطها بمتغيرات وتداخلات داخلية وخارجية كثيرة، وأن البت فيها يحتاج مزيدا من الدراسة والبحث والمقترحات. وسوف نفرد لها مساحة خاصة في قراءة أخرى نظرا لأهميتها.
?️ القيمة التربوية والنفسية للقرار:
تتمثل القيمة التربوية للقرار في أنه خفف من الضغط النفسي العالي للتلاميذ واسرهم، ما عدا طلاب الشهادة السودانية الذين لا زالوا يعيشون حالة من الإحباط واليأس الذي سيستمر كلما استمر التأخر في صدور قرار بشأنهم. فالقرار (45) شراً لا بد منه، لأننا بالمقابل إذا تصورنا حجم الضرر النفسي الذي سيقع على الطلاب واسرهم في حالة القرار المضاد، اي تجميد العام الدراسي وإعادته مرة اخرى، والابقاء على كل تلميذ او طالب في صفه او مرحلته الحالية للعام القادم بعد عام كامل من لاجتهاد والمثابرة لأدركنا حجم المشكلة.
?️ القيمة الاقتصادية للقرار:
إن الظروف الحالية قد قلبت الموازين الاقتصادية لدى كثير من الأسر، وطغت حالة من العسر، وتعطل الانتاج، وارتفعت معدلات البطالة، وفقد الكثيرون بسببها مصدر دخلهم الرئيس، وارتفعت تكاليف الحياة. وقطعا فإن تكاليف التعليم سترتفع أعلى من السابق، فصدور القرار بعدم إعادة العام الدراسي يوفر أكثر من (6-10) مليار دولار التي تكلفها إعادة العام الدراسي، إذا وضعنا في الاعتبار أن متوسط تكلفة الطالب الواحد 1200 دولار بالتقريب حسب تقديرات بعض المؤسسات والوكالات المهتمة باقتصاديات التعليم.
?️ تداعيات القرار وآثاره:
بالرغم من الإيجابيات التي ذكرت، إلا أننا لا ننكر بأن للقرار تداعيات وآثار فنية كبيرة على فئات الطلاب وحالاتهم، وعلى المنظومة التعليمية ككل. وفيما يلي توضيحا لبعض تلك الآثار التي يجب تداركها بقرارات وسياسات أخرى فعالة وناجعة، وبأسرع وقت ممكن.
أولاُ: تداعيات القرار على فئات التلاميذ وحالاتهم:
تأسيسا على ما سبق، يمكن تقسيم التلاميذ والطلاب في المراحل الثلاث التي عناها القرار إلى الحالات التالية:
1- تلاميذ الحلقة الأولى (الصف الاول والثاني والثالث الابتدائي): وهؤلاء في الاصل يدرسون بنظام (الصف)، وتقويمهم في اغلبه تقويما مستمرا يتم بواسطة (معلم الصف)، وبالتالي فإن نقلهم يعتبر شبه تلقائي إلى الصفوف الاعلى بعد التأكد من امتلاكهم المهارات الأساسية في اللغات والرياضيات. وهؤلاء كانوا قد أنهوا عامهم الدراسي قبل الظروف الحالية، فلم يتأثروا بالقرار إيجابا أو سلبا، ولكنهم يشتركون مع الآخرين في مشكلة اضطراب وتذبذب العام الدراسي المنصرم 2023 كما اشرنا عاليا.
2- تلاميذ النقل الرابع والخامس الابتدائي: وهؤلاء ممن شملهم القرار، حيث ألغيت امتحاناتهم النهائية، وتم التوجيه بنقلهم نقلا مباشرا إلى الصفين (الخامس والسادس)؛ وهؤلاء دون شك يحتاجون لاختبار معياري للتأكد من مدى امتلاكهم المهارات الأساسية التي تؤهلهم للدراسة في هذه الصفوف. وكانت هنالك بعض المدراس الخاصة تعمل بهذا النوع من الاختبارات Replacement Test)) لقبول التلاميذ او الطلاب القادمين إليها من مدارس أخرى أو من الخارج لأول مرة، فيمكن تعميم تجربة تلك المدارس.
3- تلاميذ الصف السادس الابتدائي: وهؤلاء يندرجون تحت ثلاث مجموعات: مجموعة جلست لامتحان الشهادة الابتدائية النهائي وفي انتظار إعلان النتائج، ومن ثم توزيع التلاميذ على المدارس المتوسطة، ومجموعة جلست للامتحان التجريبي تمهيدا للامتحان النهائي، ومجموعة لم تفعل شيئا. وجميعهم قد بت فيهم القرار. فالذين جلسوا لامتحان الشهادة الابتدائية او الامتحان التجريبي يتم توزيعهم جميعا على المدارس المتوسطة في ضوء تلك النتائج حتى لا تتناقض الخطوة مع فقرة القرار (نقل جميع تلاميذ الصف السادس إلى المرحلة المتوسطة مباشرة).
وقد يتساءل متسائل، إذن ما قيمة النتائج ؟.
تاتي قيمة النتائج في الاستفادة منها كمعيار للمفاضلة في عمليات التوزيع، وكذلك لتصنيف التلاميذ اكاديميا بالصف الاول المتوسط، ووضع المعالجات الاكاديمية المناسبة للمتأخرين دراسياً منهم. أما الذين لم يجلسوا لاي امتحان بالصف السادس فهؤلاء وجه القرار حسب منطوقه كذلك بنقلهم مباشرة إلى الصف الاول المتوسط وتوزيعهم توزيعا جغرافيا على المدارس المتوسطة من حولهم.
4- طلاب النقل الاول والثاني المتوسط : وهؤلاء كذلك يشملهم القرار بنقلهم نقلا مباشرا، ويجب أن تطبق عليهم معالجة تلاميذ النقل الرابع والخامس، وكذلك معالجة تلاميذ السادس الذين لم يجلسوا لاي امتحان باخضاعهم لاختبار قدرات.
5- طلاب الصف الثالث المتوسط 2023 ، ومن هم؟:
كما أشرنا سابقا، هذا العام 2023 لا يوجد به صف ثالث متوسط نظرا لانتهاء نظام التعليم الأساسي، ولم يتبق إلا تلاميذ الإعادة بالصف الثامن الذين يمثلون شكليا الصف الثالث المتوسط. وهؤلاء يحتاجون إلى دراسة لوضعهم بناء على إحصائياتهم، مع الوضع في الاعتبار متغير العمر حال الإقرار بإعادتهم للمرة الثالثة بالصف الثامن. وهنا اقترح أن يشملهم قرار النقل التلقائي إلى الصف الأعلى (التاسع) بالنسبة لهم وهو (الأول الثانوي) ويكونوا قد سدوا الفجوة على أن يخضعوا لاختبار قدرات في المرحلة الثانوية للتأكد من مدى امتلاكهم المهارات الأساسية، مع إضافة اختبار المهارات في العلوم المرتبطة بالكيمياء والفيزياء، بجانب اللغات والرياضيات؛ أو توجيههم إلى التعليم المهني كبديل تعويضي.
6- طلاب النقل الاول والثاني الثانوي: وهؤلاء ينطبق عليهم ما ينطبق على صفوف النقل الاخرى الرابع والخامس، والأول والثاني المتوسط، بأن يخضعوا لاختبار قدرات للتأكد من مدى امتلاكهم المهارات الأساسية التي تؤهلهم لدراسة الصف الثاني والثالث الثانوي 2024، مع التركيز على مهارات الرياضيات والكيمياء والفيزياء.
ثانياً : تداعيات القرار على بعض الحالات الخاصة:
والحالات الخاصة هم:
1- الطلاب السودانيين بالخارج الذين يجلسون لامتحانات الشهادات أو امتحانات النقل وفق المنهج السوداني.
إن الضرر الأكبر في هذه الشريحة يقع على طلاب الصف الثالث الثانوي (طلاب الشهادة السودانية)، حيث أن الدول الأخرى وجامعاتها لن تنتظر أحدا، فهؤلاء لا بد من البحث لهم عن مخرج حتى لا يضيع عليهم العام .
2- الطلاب الأجانب الذين يجلسون لامتحان الشهادة السودانية وينافسون بها في بلدانهم (مصر والأردن أنموذجا).
3- طلاب الشهادة البريطانية.
4- التلاميذ والطلاب في الولايات غير المتأثرة بالظروف الحالية والذين لم يتم نقلهم تلقائيا، وصدر قرار في مدارسهم بالرسوب بسبب تأخرهم الدراسي الطبيعي وإعادة الصفوف؟ كيف يمكن انصافهم وهم يرون بأن أقرانهم في الولايات الأخرى قد تم نقلهم تلقائيا، وبالتالي أصبحوا يسبقونهم بعام دراسي بالرغم من أن بعضهم أقل منهم من حيث المستوى الاكاديمي.
?️ معضلة شهادة القيد أو الإكمال:
شهادة القيد هي شهادة تُمنح للتلميذ أو الطالب في حال رغبته في الانتقال من مدرسة إلى اخرى، أو السفر والدراسة بالخارج تثبت الصف المقيد فيه الطالب حالياً. أما شهادة الإكمال فهي شهادة تُمنح للتلميذ او الطالب تؤكد أنه أكمل دراسة الصف المعني، ولكنه رسب في الامتحان النهائي.
ومعضلة الحصول على هاتين الشهادتين ستواجه بشكل أكبر التلاميذ والطلاب الذين نزحوا وبشكل مفاجئ من ولاية الخرطوم تحديدا، حيث أن جميع المدارس وإدارات التعليم بالمحليات والوزارة الولائية قد توقفت عن العمل بسب الظروف الحالية، بل بعض المدراس تعرض أرشيفها الورقي أو الالكتروني للتخريب والدمار، وخرجت إداراتها من الولاية، فلا يوجد من يمنح شهادات القيد أو الإكمال للانتقال بها إلى الصفوف الأعلى حسب القرار، إذ كيف يمكن إثبات أن الطالب (س) بالفعل كان في الصف (x)، أو أكمل الدراسة في الصف المعني. وقطعاً فإن ذلك سيحدث ربكة كبيرة لدى إدارات المدارس وإدارات التعليم بالولايات المستضيفة. وعليها أن أن تنتبه لمشكلة التجسير.
ثالثاً: تداعيات القرار على النظام التعليمي ككل:
بالرغم من أن القرار قد حوى بعض الايجابيات والمزايا الفنية والنفسية والاقتصادية على الأفراد والدولة، إلا أننا لا ننكر كذلك بأن له آثارا وتداعيات فنية على البنية الكلية للتعليم العام والعالي على حد سواء، وتأثيرا كبيرا على مخرجات التعليم على المدى البعيد. فطلبة الصف الثاني المتوسط الحاليين الذين سينتقلون (مباشرة) إلى الصف الثالث المتوسط في العام الدراسي القادم بموجب القرار، هم الفوج الاول في النظام الثلاثي (6-3-3)، وسوف يجلسون لامتحان الشهادة المتوسطة في العام 2024 ، وبالتالي يصبحون أول مُخرج تعليمي للمرحلة المتوسطة الجديدة. وفي عام 2026 يصبحون اول مُخرج للتعليم العام بعد جلوسهم لامتحان الشهادة السودانية. وفي العام 2030 يصيرون اول مُخرج للتعليم الجامعي لتغذية سوق العمل.
فعام 2030 يصادف نهاية أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، خصوصا الهدف الرابع (التعليم الجيد) الذي ينص على: (ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع). فالحصول على التعليم الجيد هو الأساس في تحسين معاش الناس وتحقيق التنمية المستدامة. فما هو المتوقع من انعكاسات القرار على تقييم المخرج في 2030 ، وبالتالي تقويم النظام (6-3-3) ككل في ضوء أهداف التنمية المستدامة. لأن تقويم النظام التعليمي في اي بلد إنما يتم بتقويم الأفواج، وتقويم الفوج ينبني على ثلاثة مؤشرات أساسية هي مؤشر الانتقال، ومؤشر الإعادة، ومؤشر التسرب. فالنقل المباشر للتلاميذ أو الطلاب دون امتحان حتما سيؤثر في حساب تلك المؤشرات، وبالتالي يؤدي الى عدم الموثوقية في نتائج التقويم، مما يؤثر في سمعة الشهادات، وسمعة التعليم ككل على المستوى الخارجي. فقد ظل التعليم السوداني يتمتع بسمعة ممتازة طيلة الحقب السابقة وجب المحافظة على هذه السمعة وتعزيزها بتقديم البدائل المناسبة. وأن أي قرار يصدر خلال هذه الفترة حتى 2030 يجب أن تتم دراسته دراسة علمية متأنية ومتكاملة.
?️ البدائل الفنية:
للتخفيف من تداعيات القرار الذي يحدث لأول مرة في تاريخ البلاد، نستعرض أدناه بعض البدائل والتجارب الإنسانية التي قد تفيد في مثل هذه الحالات.
(1) التقويم المستمر:
◄ مفهوم التقويم المستمر الاصطلاحي :
§ أسلوب محدد ومقنن بإجراءات وضوابط معينة لتقويم تحصيل الطلاب بشكل مستمر.
§ أسلوب وعملية إجرائية هدفها رفع كفاية تحصيل الطلاب لجميع المهارات المراد استيعابها.
■ أي أن : التقويم المستمر : هو التقويم الذي يتم مواكبا لعملية التدريس، ومستمرا باستمرارها، والهدف منه تعديل المسار من خلال التغذية الراجعة بناء على ما يتم اكتشافه من نواحي قصور أو ضعف لدى التلاميذ. ويتم تجميع نتائج التقويم في مختلف المراحل، إضافة إلى ما يتم في نهاية العمل من أجل تحديد المستوى النهائي.
■ أدوات التقويم المستمر :
§ الملاحظة.
§ الواجبات.
§ المشاركة.
§ التدريبات.
§ الاختبارات.
■ خصائص التقويم المستمر :
§ يسير جنباً إلى جنب مع عملية التدريس.
§ شامل لظروف التعلم وبيئته.
§ يركز على سلوك المتعلم ومهاراته.
§ يراعي نفسية الطالب وشخصيته.
§ يعمل على حفز الطالب على بذل المزيد من الجهد.
§ يوفر من خلال أساليبه وأدواته فرصاً متكافئة لجميع الطلاب.
§ يقدم معلومات مستمرة عن مستوى تقدم الطلاب.
■ الأسس التي يركز عليها التقويم المستمر :
1 ــ التركيز على إكساب الطالب المعارف والمهارات والخبرات الأساسية في كل مادة دراسية.
2 ــ إتباع أساليب تعليمية تؤدي إلى تحسين الفهم الحقيقي لمحتوى المادة الدراسية مثل أسلوب العروض وجمع العينات لنقل المادة من المجرد إلى المحسوس في هذه المرحلة التي يصعب فيها التجريد.
3 ــ العناية بالجانب التطبيقي باعتماد أسلوب تقويم الأداء الذي يتم فيه التأكد من تمكن الطالب من المهارة أو المعرفة.
4 ــ تجنب الآثار التي قد يتعرض لها الطلاب وتصبح مرتبطة بتجربتهم مثل الشعور بالقلق والخوف والفشل.
5 ــ غرس العادات والمواقف الإيجابية في نفوس الطلاب تجاه التعليم عن طريق حفز الطالب.
6 ــ إيجاد الحافز الإيجابي للنجاح والتقدم، بحيث يكون الدافع للتعلم والذهاب للمدرسة هو الرغبة في النجاح وليس الخوف من الفشل.
7 ــ تجنيب طلاب هذه المرحلة الآثار النفسية الناتجة عن التركيز على التنافس والشعور بأن درجات أدوات التقويم هي الهدف من التعليم دون العناية بالفهم.
8 ــ إشراك ولي أمر الطالب في التقويم، وذلك بتزويده بمعلومات عن الصعوبات التي تعترض ابنه ودوره في التغلب عليها.
9 ــ اكتشاف الطلاب ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة كصعوبات التعلم مبكراً، والعمل على توجيههم والتعامل معهم. (السويهري ،1442-2022).
ويصلح هذا النوع من الأساليب للصفوف الدنيا من التعليم، كما يمكن تطبيقه على الصفوف العليا في حال توفر مقعد لكل تلميذ او طالب حتى الجامعة، مع بعض المعالجات والاضافات والاختبارات والمعايير، على سبيل المثال اختبارات القدرات واختبارات التحصيل والاختبارات المعيارية المختلفة.
(2) اختبارات القدرات:
◄ اختبار القدرات هو اختبار لتقييم قدرات الطلاب ومهاراتهم واتجاهاتهم الدراسية، لذا فهو يستخدم فب المنفاضلة بين المتنافسين عند القبول أو التصنيف أو التوزيع أو التسكين..
◄ وهنالك خمسة انواع من اختبارات القدرات في بعض الدول، واحد منها (ورقي) وأربعة محوسبة، تقيس قدرات الطلاب في الرياضيات واللغة العربية واي مواد أخرى تتم اضافتها. وكل ولاية يمكنها أن تشترط درجة محددة من القدرات.
◄ ومن أقسام اختبار القدرات:
■ القسم الكمي:
ويشتمل على أنواع الأسئلة الرياضية المناسبة لاختبار القدرات، ويركز على القياس والاستنتاج وحل المسائل، ويحتاج إلى معلومات أساسية بسيطة. ويتضمن هذا الجزء
عدد من الأسئلة الموضوعية حسب حجم القدرات أو المهارات المراد قياسها. وتتوزع الأسئلة وفقاً للحقول على وجه التقريب 40% سؤالاً حسابياً ، 20% سؤالاً هندسياً، 20% سؤالاً جبرياً 10% سؤالاً تحليلياً و10% إحصائياً وهكذا.
■ القسم اللغوي:
ويشتمل على أنواع الأسئلة الآتية:
– استيعاب المقروء: فهم نصوص القراءة وتحليلها، من خلال الإجابة عن أسئلة تتعلق بمضمون هذه النصوص.
– إكمال الجمل: فهم صيغ النصوص القصيرة الناقصة، واستنباط ما تحتاج إليه من تتمات لتكوّن جملاً مفيدة.
– التناظر اللفظي: إدراك العلاقة بين زوج من الكلمات في مطلع السؤال، وقياسها على نظائر تماثلها معطاة في الاختيارات.
– الخطأ السياقي: تمييز الكلمة الشاذة في جملة ما. ويمكن يكون بديلا لمعاني المفردات.
– المفردة الشاذة: اختيار الكلمة الشاذة من بين أربع كلمات.
◄أهداف اختبارات القدرات:
1-تسكين التلاميذ و الطلاب وتصنيفهم داخل الصفوف. وعلى المعلمين أن ينتبهوا إلى أن العام القادم سيجدون فيه طلابا متباينين تباينا كبيرا من حيث المستويات وذلك يتطلب وعيا فنيا بإدارة الصف.
2- الاستفادة من مؤشرات اختبارات القدرات في وضع المعالجات المناسبة أثناء عملية التدريس، خصوصا بالنسبة للطلاب المتاخرين دراسيا، وضعيفي القدرات حسب النتائج.
3- وسيلة غير مباشرة للتقويم.
4- تطبيق أساليب تقويم حديثة وإضافية تساعد في ردم الهوة وسد الفجوة العلمية بين المتعلمين.
ويصلح هذا النوع من الاختبارات لتلاميذ وطلاب النقل في الحالة السودانية الراهنة (من الرابع الابتدائي وحتى الثاني الثانوي)، خصوصا في حال عدم وجود شهادات قيد تؤكد الصف الحقيقي للتلميذ أو الطالب. أما على طلاب الصف الثالث الثانوي والمنافسة الجامعية فيمكن تطبيق نظام النسبة الموزونة.
(3): النسبة الموزونة أو (المكافئة):
وهي معيار يهدف للحصول على نخبة من الطلبة المتميزين والمتفوقين دراسياً واكاديمياً وتصنيفهم وترتيبهم والاستفادة من ذلك في القبول والتوزيع، خصوصا في الجامعات ، وهذه المعايير عبارة عن مزيج من تحصيل الطالب في درجة الثانوية: ويقصد بها الدرجة التحصيلية التراكمية للطالب في الصفوف الثانوية (الأول والثاني والثالث الثانوي). وتمثل (30٪) على سبيل المثال في الموازنة.
ودرجة اختبار القدرات: وهي الدرجة المتحصلة بواسطة الطالب في اختبار القدرات وتمثل (30٪). و درجة الاختبار التحصيلي: وهي الدرجة المتحصلة في الاختبار التحصيلي القومي ، وتمثل (40٪) في الموازنة. فالطلبة بعد الجلوس للشهادة السودانية يقومون بحساب الموزونة لكي يتأكدوا من امكانية قبولهم في تخصص ما في جامعة ما حسب معيار الجامعة المعنية. ويصلح هذا الأسلوب مع طلاب الشهادة الثانوية العامة، خصوصا في الدول التي تطبق نظام التقويم المستمر او النقل التلقائي بسبب توفر مقعد دراسي لكل تلميذ من الصف الاول الابتدائي وحتى الاول الجامعي مع إضافة بعض الاختبارات لمزيد من المعايرة.
?️ التوصيات والمقترحات:
بناء على ما سبق، توصي الورقة بالآتي:
1- ادخال سياسات جديدة فيما يتعلق بالقياس والتقويم و الامتحانات تستوعب جميع الظروف، وتكون منصفة وعادلة، وتحترم مهارات و قدرات التلاميذ والطلاب الفردية، وتمثل نسبة مقدرة في شهادات النقل أو الشهادات المرحلية.
2- اعتماد أسلوب التقويم المستمر لتقويم التلاميذ من الصف الاول الابتدائي وحتى الصف الخامس الابتدائي.
3- تخصيص سجل تراكمي لكل تلميذ او طالب للصفوف من الاول الابتدائي وحتى الخامس الابتدائي، وتخصيص نسبة منه في الشهادة الابتدائية بالصف السادس والانتقال به إلى المرحلة المتوسطة.
4- اعتماد أسلوب امتحانات القدرات.
5- اعتماد أسلوب الاختبارات التحصيلية التراكمية.
6- اعتماد طريقة النسبة الموزونة في الدخول للجامعات.
7- تطوير إدارات القياس والتقويم بالولايات وترفيعها الى مراكز قياس، وتضاف إليها الاختبارات المذكورة أعلاه، والاختبارات المعيارية العالمية مثل (دراسة التوجهات الدولية للرياضيات والعلوم) Trends of the International Mathematics and Science Studies (TIMSS) ومعايير العلوم للجيل القادم Next Generation Science Standards (NGSS)، والبرنامج الدولي لتقييم الطلبة
Program for International
.(PISA) Student Assessment
8- توجيه الطلاب وتشجيعهم على مسار التعليم التقني والمهني طواعية وعن رغبة ومنحهم حقائب ومعدات كسب العيش وحافز إعاشة أثناء الدراسة أسوة بما كان يحدث في معهدالمعلمين العالي في بداياته مما شجع أوائل الشهادة السودانية للالتحاق به وكذلك جامعة أم درمان الإسلامية وهنالك بعض التجارب الرائدة كألمانيا واليابان والصين وبعض دول الخليج، مما يخفف الضغط على التعليم الأكاديمي ويحسن معاش الشباب وفق استمارات تصمم خصيصا لهذا الغرض بالتنسيق والاستفادة من الدعم الفني والمادي للمنظمات والوكالات الدولية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي و اليونسكو واليونسيف واليونيدو والفاو وجايكا اليابانية وغيرها، للجنسين الطلاب والطالبات. مع تقوية المؤسسات المعنية بهذا المسار مثل وزارة العمل والإصلاح الإداري، خصوصا المجلس الأعلى للتدريب المهني والتلمذة الصناعيةوالمراكز المهنية والجَدارات. وفي وزارةالتربية والتعليم الإدارة العامة لتعليم الكبار وتعليم الأطفال خارج المدرسة وقسم التعليم المهني بالمركز القومي للمناهج والبحث التربوي ومنسقية المنظمات بالوزارة، ورفد تلك المؤسسات والإدارات بالكوادر المؤهلة وتحسين بيئة العمل بها وجعلها جاذبة، مع تحسين شروط الخدمة ، كل ذلك بتخصيص نسبة لا تقل عن 10% من الدخل القومي لهذا النوع من التعليم ومساراته وتخصصاته المختلفة.
المراجع:
السويهري (1442-2022) . فيصل مساعد. التقويم المستمر : المفهوم ــ الأدوات ــ الخصائص ــ الأسس ــ المصطلحات. تم استدعاؤه عبر الرابط https://www.manhal.net/art/s/22677
~~~~~~~~~~~~~~~~~
أكاديمي وباحث.
دكتوراة في المناهج وطرق التدريس، جامعة الخرطوم، تخصص إحصاء تريوي تطبيقي.
باحث أول بالمركز القومي للمناهج والبحث التربوي بخت الرضا ، قسم الرياضيات.
خبير وطني للإحصاء- اليونسكو UNESCO) ) سودان.
أستاذ مشارك في الإحصاء والبحوث بجامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية.
حاصل على شهادة Master Teachers Trainer في مادة الرياضيات من المركز الفرنسي.
مستشار لدى عدة شركات تعمل في مجال الخدمات التعليمية.
* منسق وزارة التربية والتعليم لمشروع معالجة عمالة الأطفال من خلال التعليم الذي قدمته منظمة العمل الدولية ILO .
* محلل إحصائي.
أغسطس 2023م