وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم (3 – 3)

بقلم : الباحث الأكاديمي
الدكتور / طاهر موسى الحسن
Tahermusa2010@yahoo.com

في الحلقة الثالثة والأخيرة نقف على الوضع الميداني بعد تصعيد جيش الإحتلال لعملياته الإجرامية ، التي إستهدفت المواطن في فلسطين المحتلة، ومواقف الدول الداعمة لإسرائيل، وما تشهد المنطقة من جولات أمريكية من وزيري الخارجية والدفاع.
تحصلت كتاب القسام عند مهاجمتها مكاتب للمخابرات في مدن الغلاف ، على وثائق ومستندات ومعلومات إستخبارية ، إحتوت على خطط حربية لجيش الدفاع لترحيل (700000) مواطن فلسطيني من الضفة الغربية وجنين إلى الأردن وعدد آخر من قطاع غزة إلى مصر، فضلاً عن قوائم بأسماء العملاء والجواسيس، والكثير من المعلومات السرية التي تمكن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من معرفة مخططات العدو .
هذا ما أفقد دولة العدو صوابها ، مع جهل أجهزتها الأمنية حتى الآن من معرفة عدد أسراها ، وعدد المقاتلين الذين ما زالوا بمدن القطاع ، وما زالوا يقومون بالإشتباكات مع قوات الإحتلال ، مما جعل دولة الكيان تفكر في المعادلة الصفرية بمسح غزة من الوجود تماماً ، أوتفريغها من سكانها بالتطهير العرقي ، أو إجبارهم للنزوج إلى الجنوب عبر معبر رفح إلى مصر للنجاة بأرواحهم.
إستخدمت دولة الكيان سلاح التجويع مع إستمرار الهجوم البربري على القطاع من السماء والأرض والبحر، حيث ألقت بحوالي ستة ألف قنبلة بوزن أربعة ألف طن من المواد المتفجرة في ظرف الأيام الخمسة الأولى من بداية الهجوم .
وأعلنت منطقة القطاع منطقة عمليات حربية، وأنذرت حوالي مليون مواطن من مغادرة شمالها في ظرف أربع وعشرين ساعة إلى جنوبها، وطلبت من الأمم المتحدة نقل المواطنين وهو طلب مستحيل التنفيذ، لإيجاد أعذار وتقديم مبررات مسبقة ، لما ستقوم به من تدمير خلال الأيام القادمة، بحجة أن المواطنين لم يلتزموا بالتحذيرات. والكل يعلم بأنه لا توجد أي منطقة آمنة في القطاع مع إستمرار الهجوم الوحشي الذي يعمل على تسطيح المنطقة الشمالية من غزة للإجتياح البري الذي يهدد به الجيش الإسرائيلي .
الموقف الأمريكي المعلن والمساند لإسرائيل يهدف إلى عزل المقاومة بإيجاد تخريجات مناسبة لضمان حصر المعركة بين إسرائيل وحركة حماس، بحيث لا يشمل النزاع أطراف إقليمية أخرى ، ويتحول إلى حرب شاملة ، دون الأخذ في الإعتبار الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه القطاع والضفة الغربية ، وعرب (48) وهم فلسطينيو الداخل الذين يعيشون وسط المستوطنين واليهود المتطرفين .
جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في المنطقة تأتي في هذا الإطار، ويسعى الوزير خلالها لإيجاد مواقف مساندة لإسرائيل ، من الدول العربية المؤثرة في المنطقة كالمملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية ، وجمهورية مصر ، ودولة الإمارات العربية ، وقطر، أو ضمان حيادها ، ويدفع بحجة (تفكيك حماس) لتحقيق الأمن للدولة العبرية بمحاربة الإرهاب، وحصر الصراع بين دولة إسرائيل وحركة حماس ، التي يصفها (بالإرهابية) والتسويق عبرالإعلام بأنها من بدأ الإعتداء على المواطنين الإسرائيلين الأبرياء، حتى لا تجد الدول الصديقة لأمريكا في المنطقة الحرج إذا ما طلبت منها أمريكا المساعدة عند الحوجة، مقابل الضغط على الحكومة اليمينية المتطرفة لإحياء العملية السلمية والعودة لمسار المفاوضات في حالة أشبه بمفاوضات أوسلو أي(مدريد جديدة) .
هناك أسرى ورهائن من الإسرائيليين مزدوجي الجنسية، خاصة الذين يحملون الجنسية الأمريكية ، تمارس الدبلوماسية الأمريكية كل وسائل الضغط لتحريرهم ، عبر فتح ممرات آمنة عن طريق مصر، وهو أمر ترفضه حماس لأنها تحت القصف .
وربما أطاحت الولايات المتحدة برئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته اليمينية المتطرفة وإستبداله بحكومة توافق على إقامة الدولتين كما تقول إتفاقية أوسلو .
توحدت مواقف الدول العربية مثل السعودية والأردن ومصر، تجاه الأزمة الحالية وحذروا من تفاقمها بترحيلها إلى دول الجوار، بإجراءات التهجير القسري الذي تسعى إليه إسرائيل كالذي جرى إبان النكبة في العام 1948م .
الموقف المصري الرافض لتهجير سكان غزة من أرضهم جاء على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أكد على ضرورة بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، كما أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيان حذرت فيه من تهديد حياة الفلسطينيين بسبب الإجراءات الإسرائيلية .
التصعيد العملياتي غير المسبوق على قطاع غزة من جيش الإحتلال ما زال متواصلاً، مع توجيه تحذيرات لسكان القطاع بإخلاء المنطقة الشمالية والتوجه جنوباً إلى وداي جنوب غزة، إلا أن ما تشهده الضفة الغربية من تصعيد لا يقل خطورة عما يجري في غزة .
فالضفة تجلس على صفيح ساخن منذ عملية طوفان الأقصى، فالمستوطنون المحميون الذين يتم تسليحهم من قبل وزيرالأمن الإسرائيلي (إتمار بنغفير) يمارسون إجرامهم بغطاء شرعي من الجيش الإسرائيلي بإقتحام منازل الفلسطينيين وحرقها ، قتل النساء والأطفال والإعتداء المتكررة تحت حماية الجيش دون رادع .
رغم أن أعداد الضحايا في غزة إرتفع بشكل كبير، إلا أن حماس وصفت الدعوة بإخلاء المنازل بالدعاية الزائفة، الغرض منها تهجير الفلسطينين من أراضيهم ، ومواصلة التطهير العرقي، وتكرار أحداث النكبة في (1948م) .
المخطط الإسرائيلي المدعوم من أمريكا والدول الأوربية يجد تأييداً وتعاطفاً من الرأي العام الأوربي والأمريكي، ويشبهون ما جرى في المستوطنات بغلاف غزة صبيحة السبت 7 أكتوبر الجاري ، بالذي سبق أن قامت به القاعدة بمهاجمة برجي التجارة العالمي في نيويورك، وكذلك ما حدث من إعتداءات في أوربا، دمغوا بها الإسلام بدلاً من إعتبارها أحداث تمثل من يقومون بها .
بالتالي نجح الجانب الإسرائيلي في كسب الرأي العام الغربي وكسب الدعم العسكري وجنى ثمار ذلك بفعل هذه الجريمة البشعة تحت تأييد أمريكي وأوربي ، وعدم إستنكار الفعل بحجة أن إسرائيل تمارس حقها في الدفاع عن نفسها .
بالرغم من الخسائر البشرية الكبيرة ، والفظائع التي إرتكبتها إسرائيل، والتهجير القسري المستمر للشعب الغزاوي ، إلا أن المقاومة نجحت في كشف ضعف العدو وأجهزته الأمنية أن يكون بهذا المستوى – وهذا ما لم يتوقعه أي مراقب – وإستطاعت المقاومة من تنفيذ الخدعة الإستراتيجية والتمويه المحكم مما مكنها من إختراق الجدار الصلب والإنتشار في مساحة 900 كيلو متر داخل المستوطنات، وعاد مقاتلوها بغنائم وأسرى ورهائن إلى قطاع غزة بكل سهولة ويسر .

Exit mobile version