الدعم السريع بين الإفراط والتفريط (1 – 4)

بقلم : الباحث الأكاديمي
الدكتور / طاهر موسى الحسن
Tahermusa2010@yahoo.com

مقدمة .
إشتعلت شرارة الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم صبيحة يوم 15 إبريل 2023م ، بين قوات الشعب المسلحة وقوات الدعم السريع، بعد أن أعدت لها الأخيرة العدة، بدفعها بحشود ضخمة، في شكل أرتال من القوات والمعدات العسكرية، وهي قوة شبه عسكرية تم إنشاؤها في عهد الرئيس السوداني السابق المشير عمر حسن أحمد البشير بموجب قانون تم سنُهُ في العام 2017م بعد إنفصالها من قوات حرس الحدود وبعد أن تمت تبعيتها لجهاز الأمن الوطني وقتها ، واصبح معترف بها كقوة نظامية مساندة للقوات المسلحة التي خرجت منهكةً من حرب الجنوب، وواجهت صعوبات في حسم حركات دارفور المتمردة حينها. وكانت تحت سيطرة الجيش السوداني حتى العام 2019م ولكن مشاركتها في حرب اليمن بصورة منفصلة عن القوات المسلحة، أتاح لها فتح قنوات إتصال خارجية، إستطاعت تلك الجهات إستمالة قياداتها ودعمها وتسليحهها. كما أن أعدادها تضاعفت بصورة كبيرة مما كانت عليه من قبل (من 20 ألف إلى 120 ألف) مقاتل تقريباً، بعد تولي قائدها منصب النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الإنتقالي – بعد ثورة ديسمبر 2018م. كان من ضمن المعدات العسكرية للحركة أسلحة ومعدات ثقيلة منها (مدرعات) تبرعت بها دولة الإمارات العربية المتحدة، وقدمتها كهدية للدعم السريع، في إطار تحالفاتها مع قائدها لتحقيق مصالحها في السودان كالإستثمار الزراعي (مشروع أمطار نموذجاً)، ومحاولات استئجار أراضي الفشقة في شرق السودان التي حررتها القوات المسلحة من عصابات الشفته الأثيوبية، ووضع يدها على الموانئ بساحل البحر الأحمر التي سعت وما زالت تسعى الأمارات للإستئجارها.
إستمرت الحشود على مدى شهر كامل (تقريباً) قبيل إندلاع الحرب. حيث رصدت القوات المسلحة عبر الأقمار الإصطناعية حركة نقل الجنود والعربات المصفحة وعربات الدفع الرباعي إلى حيثُ معسكراتِها التي تُحيط بالعاصمة القومية، فتم نقل أكثر من 60 ألف جندي مقاتل بكامل عتادهم من الولايات إلى الخرطوم، وحوالي 25 ألف مقاتل مرتزق من غرب إفريقيا وليبيا والنيجر، ودفعت الأخيرة بقوة قوامها (6000 مقاتل) من قوات النخبة الموالية للرئيس محمد بازوم، مما أدى لسقوط حكمه لاحقاً – حسب المصادر العليمة – فتم نشر وإعادة تموضع تلك القوات دون علم رئيس أركان القوات المسلحة ، الجهة المسئولة عن تحركات تلك القوات. كما قامت القوات التي تمردت بمحاصرة مطار وقاعدة مروي العسكرية يوم 13 إبريل 2023م أي قبل يومين من إنطلاق الحرب، بعدد ألف جندي على متن (80 عربة) مقاتلة، وتعزيزها في اليوم الثاني بعدد (600 جندي).
أولاً : خلفية مهمة.
رغم كل ذلك التحشيد عاشت القيادة العسكرية حالة من الإنكار لما كان يتوقعه أي مراقب، فالتقارير الإستخبارية كانت تتوقع نشوب الحرب في أي لحظة إلا أن تقـديـرات قيـادة الجيش ربما ظنت إمكانية إحتواء الأزمة، لأن منطق الأشياء يؤيد ذلك، فقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو هو الرجل الثاني في ترتيب السلطة، ويحمل رتبة الفريق أول في المنظومة العسكرية وهي رتبة رفيعة، فضلاً عما يملكه من مال واستثمارات داخل وخارج السودان، مما يجعله يفكر ألف مرة قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة الإنتحارية، مع الوضع في الإعتبار إمكانية تحقيق ما يصبو إليه بطرق أخرى أقل كلفة من الحرب. مع وجاهة التقديرات المشار إليها إلا أن القيادة العسكرية تجاهلت الأجندات الداخلية والخارجية، ولم تضعها في الإعتبار، أو قللت من تأثيراتها في ذلك الوقت، فشركاء قائد الدعم السريع الجدد (أعداء الأمس) في قوى إعلان الحرية والتغيير – المجلس المركزي – ظل (بعضهم) يوحي للرجل باستلام السلطة في حال رفض الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الإنتقالي وقائد الجيش الإتفاق الإطاري بشكله الذي هندسوه مع الوسطاء، وهو مشروع سياسي وقع عليه المكون العسكري وبعض القوى السياسية في مقدمتها قوى إعلان الحرية والتغيير – المجلس المركزي ( الائتلاف الحاكم سابقاً) لحكم الفترة الإنتقالية التي تعقبها إنتخابات، وهو إتفاق يؤسس لوضع قوات الدعم السريع تحت قيادة الرئيس المدني عبر حكومة يشكلها حلفاؤه الجدد في قوى الحرية والتغيير (قحت).
ظل الإطاريون يهددون بالحرب في حال رفض الإتفاق، كما سوقوا للسيد دقلو فكرة تبعية قواته لرئيس الوزراء المدني في حال تطبيق الإتفاق الإطاري ودمجها في القوات المسلحة خلال عشر سنوات، وبالتالي الإنعتاق من تبعية قواته للقوات المسلحة التي تسعى لدمجها في مدة زمنية أقصاها أربع سنوات، وهي فكرة وجدت هوى في نفسه، فتعنت دقلو في دمج قواته، كما رفع شعار تسليم السلطة للقوى المدنية، وظل يردد شعارات غريبة عليه وعلى قواته، كــ (مدنية الدولة والديمقراطية) ومحاربة من أطلق عليهم فلول النظام السابق داخل الجيش، وإلتزم شركاؤه الجدد في (قحت) المجلس المركزي بتوفير الغطاء السياسي، والتأييد الجماهيري، والدعم الإقليمي، عبر البعثة الأممية وبعض دول الإقليم، ممنين أنفسهم بأن يكون أمر إستلام السلطة عبر بندقية دقلو من اليسر بحيث لا يتجاوز الساعات، ولكن خابت توقعاتهم مع أول طلقة خرجت من بندقية قوات دقلو. ربما لم يتحسب الفريق محمد حمدان دقلو لفشل خطة أعتقال البرهان وأركانه حربه، أو قتله كما تصور، ولم يلجأ لخطة بديلة لأنها لم تكن موجوداً أصلاً، فإحتلت قواته كل المواقع التي كانت مؤتمنة عليها قبل إنقلابه الفاشل، وأسرت كل من كان فيها من عسكريين ومدنيين، كالقصرالجمهوري ومباني الإذاعة والتلفزيون والقيادة العامة التي تم دحرهم عنها بعد استبسال قوات الحرس الرئاسي هناك، إذ نجحت تلك القوة (رغم قلة عددهم) في حماية القائد العام وكبار الجنرالات، وكان الثمن إستشهاد عدد (35) منهم داخل أسوار القيادة (تم دفنهم هناك تخليداً لذكراهم). كما إحتلت منازل المواطنين العزل الذين فروا منها بعد أن إحتمت بها قوات التمرد التي فقدت معسكراتها.
ثانياً: تفريط الحكومة .
كان واضحاً أن قيادة الدعـم السريع تسعى للإنقضاض على السلطة بالقوة وبتخطيط ودعم أجنبي، تحقيقاً لطموحات قائدها الذي كان يتطلع أن يكون الرجل الأول، وإستغلت في ذلك رغبة أحزاب قحت – المجلس المركزي – في الحكم بدون تفويض شعبي ظنت أنه سيتم عبر بندقية دقلو، وكان من إرهاصات ذلك:
1/ تضخم عدد تلك القوات أضعاف ما كانت عليه إبان تأسيسها، بالرغم من توقيع إتفاق (سلام جوبا) وإنحسار الحرب في دارفور- وتحولها إلى نزاعات قبلية – كان المتسبب الأول فيها هذه القوات نفسها، كما توقفت الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، مما أثار الشكوك في نوايا قيادة تلك القوات.
2/ ورثت قوات الدعم السريع كل مقار وآليات وسلاح قوات هئية العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وهي قوات ذات مهام قتالية ساهمت في عمليات حفظ الأمن الداخلي إبان النظام السابق، كما شارك منسوبوها في العمليات العسكرية ضد المتمردين والخارجين على القانون في جنوب السودان ودارفور وغيرها .
نواصل غدا …

Exit mobile version