الرادار – ابراهيم عربي – تسامح من أجل الوطن ..!

الخرطوم الحاكم نيوز
الشعب السوداني بطبيعته وفطرته مسامح وكريم ويقولونها (المسامح كريم) ، ويحض علي التكافل والعمل الجماعي ولنا في ثقافة النفير والضرا أسوة (إيد علي إيد تجدع بعيد) وقد ظل هذا الشعب بوسطيته مضرب المثل في الداخل والخارج ، منطلقا من عادات وتقاليد راسخة وموروثات وقيم دينية ، إذ يدعو الإسلام إلى الصفح والعفو عند المقدرة والمعاملة الحسنة ، كما في قوله تعالي (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم). 
وليس ذلك فحسب فقد أمر الله رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم (أن يدعو الناس إلى التواضع والرفق وخفض الجناح) ، تماما كما دعت الديانة المسيحية إلي العفو والتسامح بين الجميع ، وفي ذلك يقول المسيح عليه السلام  (حينما يؤذيك أحدهم لا تقابل الشَر بمثله بل من لطمك علي خدك الأيمن فحول له الأخر) وهذا دليل كاف علي العفو والتسامح .
وبل هنالك العديد من النماذج الحية التي تدعو إلي التسامح المجتمعي والتعايش السلمي بين الناس بمختلف ثقافانهم وتعدد مشاربهم في ولايات السودان المختلفة وقد رصدنا كثير من مظاهر التسامح الديني والتعايش السلمي ، فالكنيسة الكاثوليكية ومسجد هجر بالابيض نموذجا ، لذلكم التسامح بين الديانات .
بينما هنالك العديد من الاقباط والمسيحين الآخرين وبل اليهود يتساكنون ويتعايشون بين الناس ، وبل تطورت لأن يشارك بعضهم بعضا في تشييد مؤسساتهم الدينية وايضا مسجد الابيض العتيق نموذجا وكثير من المؤسسات الدينية والنماذج بالخرطوم ومدني وكوستي وبورتسودان والدمازين وغيرها من الولايات مما يؤكد في الأصل سماحة هذا الشعب بلا غلو وبلا تطرف ويؤكد ذلك درجة التسامح الديني والتعايش السلمي بين المجتمع ، وبل هنالك العديد من مؤتمرات الصلح والجوديات في دارفور وكردفان وغيرها من مناطق السودان وجميعها كانت تعلوها قيم التسامح والتصالح والتعايش المجتمعي .
غير أن الحرب التي إندلعت في البلاد مشت بين الناس بالفتنة والشحناء والبغضاء ، إنعدمت فيها قيم التسامح بسبب ثقافة مستوردة وعادات وتقاليد دخيلة علي المجتمع المتسامح المتصالح جاءت بها جماعات التطرف والهوس يمينا ويسارا لخدمة أجنداتها وتقاطعات مصالحها ، قلبت التعايش السلمي السوداني حربا وتقتيلا وألقت بظلالها السالب علي المجتمع تشريدا ولجوء ونزوح وفقر ، حيث أصبح الظلم يمشي بين الناس إسرافا في القتل .
أدخلت جميعها الفتنة بين الناس حين غفلة من الزمان وضاقت الأرض بما رحبت فتطورت خلافات المعايشة والإحتكاكات البسيطة في الرعي والزراعة والتجارة وغيرها إلي تخندق وبل تجاوزت لخلافات مسلحة ساعد عليها إنتشار السلاح بين يدي الناس فتخلخل النسيج المجتمعي في ظل التنادي والتخندق والمناصرة فاندلع الإقتتال القبلي بصورة بشعة أدت لكثير من المظاهر السالبة وانقلب التعايش السلمي إلي إستعداء محكم وبغضاء وشحناء فشلت في بعضها لجان الجوديات والتصالحات المجتمعية رغم رسوخها محليا وعالميا ، ربما لإرتباطها بمخلفات تلكم الحروب وتقاطعاتها السياسية والمجتمعية ومطلوباتها من حيث العدالة والعدالة الإنقالية والمصالحة الوطنية الشاملة .
ولذلك أنا من أكثر الناس فرحا ولست لوحدي ، فرحين بتوقف عجلة الحرب بتوقيع إتفاق السلام بجوبا ونراه ايضا في حاجة لبعض التدخلات حتي يكتمل بدرا ، ولكنها أيضا أكبر فرصة لتوقف صوت البندقية ارضا سلاح ، وأدل صدقا علي ذلك وصول قيادات السلام وسط إستقبال حاشد لم تشهده البلاد من قبل وتؤكد بذاتها تطلعات الناس لواقع جديد في ظل تقلبات الأوضاع في البلاد وتصاعد الأزمات ، وقد ظللت مهموما جدا مع آخرين كثر وبل أكثر قلقا علي كيفية درء آثار ومخلفات وإفرازات تلكم الحروب والتي نراها تتطلب جهودا أخري غير منظورة .
ولذلك لبيت أمس الإثنين 16 نوفمبر 2020 دعوة الدكتور فرح إبراهيم العقار بإسم مبادرة التسامح والسلام المجتمعي لحضور الإحتفال بيوم التسامح العالمي بقاعة الصدقة بالخرطوم والذي اصبح يوما عالميا منذ العام   1995دعت بموجبه المنظمة الدولية الأعضاء والحكومات بالعالم العمل على  تشجيع التسامح والاحترام والحوار والتعاون بين مختلف مجتمعاتها بتعدد مكوناتهم وثقافاتهم وحضاراتهم ، ولذلك لبيت الدعوة فورا وبلا تردد ، جئتها وانا أبحث عن الإجابة علي السؤال المحوري ثم ماذا بعد السلام وتوقف عجلة الحرب في بلادنا السودان الوطن العزيز ؟.
لقد أجمع المتحدثون في الإحتفال بالمناسبة علي ضرورة وأهمية التسامح والتصالحات المجتمعية ودعوا الي مشروع وطني جامع وموحد يلبي تطلعات المجتمع السوداني كما دعوا لأن يكون الحضور نواة لحاضنة مجتمعية جديدة لأن تكون خير معين للجهود الحكومية لتقود البلاد إلي بر الأمان ، وقد وقع الحضور من المكونات السياسية والثقافية والرياضية والأهلية والمجتمعية علي ميثاق التسامح والسلام المجتمعي بالبلاد تحت رعاية المجلس السيادي ووقد وقع مولانا حسن شيخ إدريس إنابة عنه وبحضور شركاء السلام من الجبهة الثورية حيث وقع التوم هجو إنابة عنها كما وقعت قيادات من الطرق الصوفية ورجالات الدين المسيحي والإسلامي وعدد من المكونات المجتمعية والمنظمات والهيئات ذات الصلة والإختصاص .
وليس لذلك فحسب بل تركت المبادرة الباب مفتوحا لجميع أهل السودان بمختلف أثنياتهم وتعدد توجهاتهم ومشاربهم للإنضمام للمبادرة بشرط الإيمان بالفكرة والعمل معا علي نبذ العنف والعنصرية ومحاربة الإنتماء القبلي الذي يقود للفتن والحروب، ونبذ العنصرية المذهبية والسياسية وإدارة الخلافات عبر الحوار والدعوة بالحسنى لأجل الوطن والعمل علي تضمينها بالدستور الدائم للبلاد ، وبالتالي يظل باب التسامح والسلام المجتمعي مفتوحا أمام الجميع .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى